أرسلت السلطات السعودية قاضي القضاة في نجد ـ واسمه : سليمان بن بليهد ـ إلى المدينة المنوّرة للاستفتاء من علمائها حول بناء مراقد أولياء الله ، ولكن الجدير بالذكر هو أنّ الأسئلة التي طرحها ابن بليهد كانت تحمل في ثناياها الأجوبة المطابقة لآراء الوهّابيّين أنفسهم ، وما كان من العلماء إلّا الإجابة بمثل ما هو مذكور في الاستفتاء نفسه ، وكانوا يعرفون ـ مسبقاً ـ أنّ الإفتاء على خلاف آرائهم يُعرِّضهم للتهمة بالكفر والشرك ، ومن ثمّ يحكمون عليهم بالقتل إن رفضوا التوبة!!
وقد نشرت جريدة «أُمّ القرى» الصادرة في مكّة ـ في شوال ١٣٤٤ ه ـ تلك الأسئلة والأجوبة ، وقد أثارت ضجّة كبرى بين المسلمين ـ الشيعة والسنّة معاً ـ لأنّهم كانوا يعلمون أنّ وراء هذا الاستفتاء ـ الّذي قد صدر تحت وطأة التهديد والترهيب ـ هو البدء بهدم القباب والبناء المشيَّد على قبور قادة الإسلام وعظماء المسلمين.
وهذا ما حصل بالفعل ، فبعد ما صدرت تلك الفتوى من خمسة عشر عالماً من علماء المدينة ، وانتشرت في الحجاز ، بدأت السُّلطة الوهابية الحاقدة بهدم قبور آل رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في الثامن من شوال ذلك العام ، وقضت على آثار أهل البيت عليهمالسلام والصحابة ، ونهبت كلّ ما كان في ذلك الحرم المقدّس من فُرش وهدايا ثمينة وغيرها ، وحوّلت تلك الزمرة الوحشيّة البقيع المقدّس إلى أرض قفراء موحشة. (١)
__________________
(١) يقول المؤرّخ الجليل الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتاب الذريعة : ٨ / ٢٦١ : لقد سيطر الوهّابيّون على الحجاز في سنة ١٣٤٣ ه ، وفي الثامن من شهر شوال من نفس العام هدموا قبور الأئمّة الطاهرين ـ عليهمالسلام ـ والصحابة في البقيع. انتهى كلامه.
أقول : إنّ جريدة «أُمّ القرى» نشرت نصّ الاستفتاء وجوابه في تاريخ ١٧ شوال سنة ١٣٤٤ ه ـ