وفيما يلي نذكر جانباً من الاستفتاء ، لتعرف كيف ضمّن السائل الجواب في سؤاله ، وأنّ الهدف لم يكن السؤال والاستفتاء ، بل كان للحصول على مستمسك لتضليل الرأي العام وتدمير آثار النبوّة والرسالة. ولو كان الهدف هو الاستفتاء الحقيقي ومعرفة رأي الإسلام في ذلك ، فما معنى إدخال الجواب في مضمون الاستفتاء؟! بل إنّنا نظن أنّ الاستفتاء والجواب كانا قد أُعدّا مسبقاً في ورقة خاصّة ، ثمّ أُرسلت تلك الورقة إلى علماء المدينة للتوقيع عليها فقط ، وإلّا فليس من المعقول أن يُغيّر علماء المدينة وجهة نظرهم فجأة ، ويُصدروا الفتوى بتحريم البناء على القبور ووجوب هدمها ، مع العلم أنّهم كانوا وآباؤهم ـ طوال سنوات عديدة ـ من الدّاعين إلى حفظ الآثار النبويّة ، وكانوا يزورون تلك المشاهد المقدّسة.
يقول ابن بليهد في سؤاله :
«ما قول علماء المدينة المنوَّرة ـ زادهم الله فهماً وعلماً ـ في البناء على القبور واتّخاذها مساجد ، هل هو جائز أم لا؟
وإذا كان غير جائز بل ممنوع منهيٌّ عنه نهياً شديداً ، فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها أم لا؟
وإذا كان البناء في مَسبلة (١) كالبقيع وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليه ، فهل هو غصب يجب رفعه ، لما فيه من ظلم المستحقين ومنعهم استحقاقهم أم لا؟
__________________
ـ وحدّدتْ تاريخ صدور الفتوى من علماء المدينة ب ٢٥ رمضان ، لهذا ينبغي القول انّ احتلال المدينة وهدم قبور أولياء الله حدثا معاً في سنة ١٣٤٤ ه ويعتقد المرحوم السيد محسن الأمين أنّ الاحتلال الكامل والهدم قد وقعا في عام ١٣٤٤ ه. راجع كتاب كشف الارتياب : ٥٦ ـ ٦٠.
(١) مَسْبلة : موقوفة في سبيل الله تعالى.