قال البيضاوي : لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها واتّخذوها أوثاناً ، مُنع المسلمون في مثل ذلك ، فأمّا من اتّخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرُّك بالقرب منه ـ لا للتعظيم ولا للتوجّه إليه ـ فلا يدخل في الوعيد المذكور. (١)
وليس القسطلاني منفرداً في هذا الشرح ، بل يقول به السندي ـ شارح السُّنن للنسائي ـ حيث يقول :
«اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» أي : قبلة للصلاة ويُصلّون إليها ، أو بنوا مساجد عليها يُصلّون فيها. ولعلّ وجه الكراهة أنّه قد يُفضي إلى عبادة نفس القبر. (٢)
ويقول أيضاً :
يُحذّر (النبي) أُمّته أن يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتّخاذهم تلك القبور مساجد ، إمّا بالسجود إليها تعظيماً لها ، أو بجعلها قبلة يتوجّهون في الصلاة إليها. (٣)
ويقول النووي ـ في شرح صحيح مسلم ـ :
قال العلماء : إنّما نهى النبي عن اتّخاذ قبره وقبر غيره مسجداً ، خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به ، فربّما أدّى ذلك إلى الكفر ، كما جرى لكثير من الأُمم الخالية ، ولمّا احتاجت الصحابة والتابعون إلى الزيادة في مسجد
__________________
(١) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري. وقد مال إلى هذا المعنى ابن حجر ـ في فتح الباري : ٣ / ٢٠٨ حيث قال : إنّ النهي إنّما هو عمّا يؤدّي بالقبر إلى ما عليه أهل الكتاب ، أمّا غير ذلك فلا إشكال فيه.
(٢) السنن للنسائي : ٢ / ٢١ مطبعة الأزهر.
(٣) نفس المصدر السابق.