رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ حين كثر المسلمون وامتدّت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أُمّهات المؤمنين فيه ، ومنها حجرة عائشة ، مدفن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وصاحبيه بَنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله ، لئلّا يظهر في المسجد فيصلّي إليه العوام ...
ولهذا قالت «عائشة» في الحديث : ولو لا ذلك لأبرزوا قبره ، غير أنّه خُشي أن يُتَّخذ مسجداً. (١)
ويقول شارح آخر :
إنّ حديث عائشة يرتبط بالمسجد النبوي قبل الزيادة فيه ، أمّا بعد الزيادة وإدخال حجرتها فيه ، فقد بنوا الحجرة بشكل مثلَّث كي لا يتمكن أحد من الصلاة على القبر ...
إنّ اليهود والنصارى كانوا يعبدون أنبياءهم بجوار قبورهم أو يجعلونهم شركاء في العبادة.
أقول : مع هذه القرائن ومع ما فهمه شُرّاح الحديث لا بدّ من القول به ، ولا يمكن استنتاج غير ذلك أو الفتوى بغيره.
ومع غضّ النظر عن هذه القرائن ، فإنّنا نعالج المسألة بما يلي :
١. إنّ مورد الحديث هو ما إذا كان المسجد مبنيّاً فوق القبر ، فلا علاقة له بالمشاهد المشرَّفة ، لأنّ المسجد ـ في كلّ المشاهد ـ ما عدا مسجد النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إنّما هو بجوارها لا عليها ، بشكل ينفصل أحدهما عن الآخر.
وبعبارة أُخرى : هناك حرم وهناك مسجد ، فالحرم خاصٌّ للزيارة والتوسّل إلى الله تعالى بذلك الوليّ الصالح ، والمسجد ـ بجواره ـ للصلاة والعبادة ، فالمشاهد المشرَّفة ـ في هذه الحالة ـ خارجة عن مفاد الحديث ومعناه ـ على فرض أن يكون
__________________
(١) شرح صحيح مسلم للنووي : ٥ / ١٣ ـ ١٤.