مفاده ما يدّعيه الوهّابيّون ـ.
وبعد هذا كلّه ... كيف يمكن القول بحرمة بناء المسجد بجوار القبر أو كراهته في حين أنّنا نرى بأعيننا أنّ مسجد رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ يقع بجوار قبره الشريف؟!
إذا كانت الصحابة كالنجوم ويجب الاقتداء بهم ، فلما ذا لا يُقتدى بهم في هذا المجال؟! إنّ أُولئك زادوا في المسجد زيادات كثيرة بحيث استقرَّ قبر النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في وسط المسجد ، بعد أن كان المسجد في الجانب الشرقي من القبر الشريف وبسبب الزيادات الكثيرة دخل الجانب الغربي من القبر أيضاً في المسجد.
فإذا كان بناء المسجد بجوار قبور الصالحين حراماً فلما ذا أحدث المسلمون هذه الزيادات فيه من جميع أطرافه؟!
فهل معنى الاقتداء ب «السَّلف» و «السَّلفية» ـ الّتي ينادي بها الوهّابيّون ـ هو الاقتداء بهم في موضوع واحد وترك الموارد الأُخرى؟!
ومن هنا نعرف أنّ ما قاله ابن القيّم من «أنّ القبر والمسجد لا يجتمعان معاً» مخالف لسيرة المسلمين السَّلَف ولا أساس لكلامه من الصحّة أبداً.
٢. وفي خاتمة المطاف نذكر أمرين :
الأوّل : إنّ كلّ ما يستفاد من هذه الأحاديث ـ على فرض صحّتها ـ هو أنّ النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ نهى عن بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها ، ولكن لا يوجد دليل قطعي يثبت أنّ هذا النهي هو نهيٌ تحريمي ، بل يحتمل أن يكون نهياً تنزيهيّاً ـ وبالاصطلاح ـ كراهيّاً ، وهذا بالضبط ما استنبطه البخاري في صحيحه حيث ذكر هذه الأحاديث تحت عنوان : «باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور». (١)
__________________
(١) صحيح البخاري : ٢ / ١١١.