أنّها كانت ولا تزال خارقة للعادة ، والنكتة في ذلك كلّه أنّ الأُمور غير العادية سابقاً والعادية فعلاً كلاهما ينبعان من معين العلل الطبيعية ، ولكن مع تطور العلم واكتشاف طرق حديثة ووسائل متطوّرة تخرج تلك الأُمور وبالتدريج من حالتها الغير الاعتيادية ، ولكن الأمر في المعجزة يختلف عن ذلك تماماً ، لأنّها دائماً تنطلق من علل غير طبيعية ، وانّ هذه العلل لا يمكن أن تكون اعتيادية ، وعلى هذا الأساس تكون المعجزة دائماً أمراً غير اعتيادي.
٢. دعوى النبوة : من القيود التي ذكرت للمعجزة هي دعوى النبوة ، بمعنى انّ من يأتي بأمرٍ خارقٍ للعادة إنّما يطلق على فعله هذا اسم المعجزة فيما إذا اقترن عمله بادّعاء أنّه صاحب منصب إلهي من جانب الله سبحانه ، وفي غير هذه الحالة يطلق على عمله ذلك عنوان «الكرامة».
إنّ الصالحين والعظماء من الأولياء قد تجري على أيديهم بعض الأفعال التي لا تنسجم مع العلل والأسباب الطبيعية العادية ولكن في نفس الوقت انّهم ليسوا بأنبياء إلهيّين ولا عملهم يُعدّ من نوع المعجزة ، فهذا القرآن الكريم يحدّثنا عن السيدة مريم عليهاالسلام بقوله :
(... كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). (١)
ويوجد بين الأُمم السابقة والأُمّة الإسلامية الكثير من الأولياء الذين ـ ومن خلال طيّ طريق تهذيب النفس والسير والسلوك ـ استطاعوا التصرف والهيمنة على عالم التكوين فضلاً عن إخضاع بدنهم لإرادتهم واختيارهم.
__________________
(١). آل عمران : ٣٧.