وأما رابعا : فلأنه لا يبقى قولهم لكل علم موضوع ومبادي ومسائل على عمومه ، لأن معناه التصديق بآنية الموضوع وهلية البسيطة ، وقد صار في علم الكلام من جملة المسائل.
وأما خامسا : فلأن تصاعد العلوم ، إنما (١) هو بتصاعد الموضوعات فلا معنى لكون علم أعلى من آخر ، سوى أن موضوعه أعم ، فينبغي أن يؤخذ موضوع (٢) علم الكلام الموجود أو المعلوم ، وإلا فالإلهي أعلى منه رتبة ، وإن كان هو أشرف من جهة ، وقد عرفت أن ما يبين فيه موضوع علم شرعي أو مباديه لا يلزم أن يكون علما شرعيا ، بل (٣) يكفي كونه تعينيا (٤) وعلى وفق الشرع. فإن قيل : ـ فقد آل الكلام إلى أن الوجود (٥) المخصص لموضوع الصناعة ، وإن كان من أغراضه الذاتية لا يبين فيها لكون نظرها مقصورا على بيان هليته المركبة (٦) ، بل ولأنه مسلما في نظرها لكونه بينا أو مبينا في صناعة أعلى ، وحينئذ يتوجه الإشكال بأن بيانه هناك لا يكون من الهلية المركبة ، وموضوع هذا العرض الذاتي لا يكون مما هو مسلم الوجود.
قلنا : موضوع الصناعة الأعلى أعم ، ووجوده لا يستلزم وجود الأخص فيبين فيها وجود الأخص بأن يبين انقسام الأعم إليه وإلى غيره ، وأنه يوجد له هذا القسم ، ويكون ذلك عائدا إلى الهلية المركبة للأعم ، مثلا يبين في الإلهي أن بعض الموجود جسم ، فيبين وجود الجسم ، وفي الطبيعي أن بعض الجسم كرة ، فيبين وجود الكرة.
وعلى هذا القياس ربما يتنبه الفطن من هذا الكلام لنكتة قادحة في بعض ما سبق.
__________________
(١) سقط من (ب) إنما هو.
(٢) سقط من (ب) كلمة (علم).
(٣) سقط من (أ) كلمة (بل).
(٤) في (ب) يقينيا بدلا من كلمة (تعينيا).
(٥) في (ب) الموجود المخصص بدلا من الوجود.
(٦) الهلية المركبة : وهي ثبوت شيء مخصوص لغيره ؛ إذ المعنى أن مطلق الموجود قد ثبتت له الجسمية ؛ ثم الجسم المطلق الذي يبحث عن أحواله الطبيعي ؛ وقد ثبتت علته البسيطة فيما فوقه.