من التناقض ، حيث اعترفوا بحقية (١) إثبات أو نفي سيما إذا تمسكوا فيما ادعوا بشبهة ، بخلاف اللاأدرية فإنهم أصروا (٢) على التردد والشك (٣) في كل ما يلتفت إليه ، حتى في كونهم شاكين وتمسكوا بأنه لا وثوق على حكم الحس والعقل لما مر من شبه الفريقين ، ولا على الاستدلال لكونه فرعها ، فلم يبق الا طريق التوقف ، وغرضهم من هذا التمسك حصول الشك والتهمة لا إثبات أمر أو نفيه ، فلهذا كانوا أمثل طريقة من العنادية والعندية ، والمحققون على أنه لا سبيل إلى البحث والمناظرة معهم ، لأنها لإفادة المجهول بالمعلوم ، وهم لا يعترفون بمعلوم أصلا ، بل يصرون على إنكار الضروريات أيضا حتى الحسيات والبديهيات، وفي الاشتغال بإثباتهما التزام لمذهبهم ، وتحصيل لغرضهم من كون الحسيات والبديهيات غير حاصلة بالضرورة بل مفتقرة إلى الاكتساب إذ عندنا لا يتصور كون الضروري مجهولا يستفاد بالمعلوم ، فالطريق معهم التعذيب ولو بالنار ، فإما أن يعترفوا بالألم وهو من الحسيات ، وبالفرق بينه وبين اللذة ، وهو من العقليات وفيه بطلان لمذهبهم ، وانتفاء لملتهم ، وإما أن يصروا على الإنكار فيحترقوا ، وفيه اضمحلال لثائرة (٤) فتنتهم وانطفاء (٥) لثائر شعلتهم.
__________________
(١) في (ب) بحقيقة.
(٢) سقط من (ب) لفظ (أصروا).
(٣) الشك : هو التردد بين نقيضين لا يرجح العقل أحدهما على الآخر ، وذلك لوجود أمارات متساوية في الكل ، أو لعدم وجود أية أمارة فيهما ، ويرجع تردد العقل بين الحكمين إلى عجزه عن معاناة التحليل ، أو إلى قناعته بالجهل ولذلك قيل : إن الشك ضرب من الجهل ، إلا أنه أخص منه. والشك المنهجي عند (ديكارت) هو الطريقة الموصولة إلى اليقين.
(٤) في (ب) غاية منتهم.
(٥) في (ب) واطفاء النار.