به مما يقتضى ذلك مع أن معناه من طريق حقيقته يقتضى التعظيم وتقديرُ نصبه كتقدير متابعةً لَامْرِكَ وإسعادًا لك الا انه جعل لبيك وسَعْدَيْك موضعَ تقدير المصدرين وعومل بما يقتضى المبالغة من التثنية وترك التصرف على طريق النادر لينبئ عن علو المنزلة ولا يجوز في مثل هذا أن يكثر في التقدير لانه ينافى المعنى الذى هو حقه من مجيئه نادرا في بابه ليدل على الخروج الى علو المنزلة والانفراد بجلال الحالة وإنما جازت التثنية للمبالغة ولم يجز الجمع لان التثنية أولى بالتفضيل شيأ بعد شئ من الجمع إذ كانت التثنية لا تكون الاعلى الواحد والجمعُ قد يكون على غير الواحد نحو نَفَر ورَهْطٍ فهذه المبالغة تقتضى تضعيفَ المعنى كما قال سيبويه في حَنَانَيْكَ كأنه قال تَحَنُّنا بعد تَحَنُّنٍ وحَنَانًا بعد حَنَانٍ والتثنيةُ أدلُّ على هذا التفضيل من الجمع لما بينا فكلما قَلَّ النظير في معنى التعظيم فهو أشدُّ مبالغة لانه اذا قل النظير قَلَّ مَنْ يُسْتَغْنَى بغيره عنه أى من يُحْتاج اليه ولا يُسْتَغْنَى بغيره عنه فهو أجل في التعظيم مما ليس فوق تعظيمه تعظيم وهذه الصفة لا تكون الا لله تعالى وهذا الذى شرحنا يكشف لك عن النادر في المعنى وأن لفظه ينبغى أن يُعامَلَ معاملة تُشْعِر بهذا المعنى فسبحانَ من طُبَعَ نفوسَ العقلاء على هذه الحِكَم والفِطَنِ ولا تجوز هذه المبالغة الا بالاضافة لأمرين أحدهما طلب الاعرف فى هذا المعنى النادر لانه يصير كالمَثَل والآخر أن الاضافَة الى المعظم أخصُّ بمعنى التعظيم من الانفصال فلهذا لم يجز حَنَانَيْكَ ولَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ وما جرى مجراها الا بالاضافة وعلة الاضافة فيه كعلة لزوم الاضافة في سبحان الله ومعاذ الله وقال طَرفة
أبا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنا |
|
حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أهْوَنُ من بَعْضِ |
كانه قال تَحَنُّنًا بعد تَحَنُّنٍ ووضع حنانيك موضع تَحَنُّن وتقول سبحانَ اللهِ وحَنانَيْهِ كانك قلتَ ورَحْمَتَه على المبالغة في طلب الرحمة منه بعد الرحمة على ما تقتضيه التثنية وتقوله بالنصب والرفع ولا يجوز حَذَارَيْكَ لان التَّحْذِير ليس مما يحتاج فيه الى المبالغة وقال عبد بنى الحَسْحاسِ
اذا شُقَّ بُرْدٌ شُقَّ بالبُرْدِ مِثْلُه |
|
دَوالَيْكَ حَتَّى لَيْسَ للْبُرْدِ لابِسُ |
وقال دَوَالَيْكَ لان المداولَة على معنى المداومة موضعُ مبالغة وتعظيم كانه قال مُدَاولَتَكَ وجعل دواليك في موضعه فاما قول النحويين سيبويه وغيره انه في موضع الحال فانهم