يعنون أنه متعلق يشُقَّ بالبُرْدِ مُداولةً فالمعنى على هذا ووجهُ نصبه على ما فسرنا من الفعل المتروك إظهارُه وقال الشاعر
* ضَرْبًا هَذَاذَيْكَ وطَعْنًا وَخْضا*
أى هَذًّا بَعْدَ هَذٍّ فبالغَ في الكثرة وهى موضع مبالغة وكذلك المداولة وليس كلُّ معنى تصلُح فيه المبالغةُ كمعنى القُعود والقيام ونحو ذلك فاما لَبَّيْك فزعم يونس فيما حكاه عنه سيبويه أنه اسم واحد بمنزلة عليك وهو خلاف قول الخليل الذى فسرناه قبلُ من معنى التثنية ووجهُ قول يونس أن المصادر تقل فيها التثنية والجمع وقد وجد له نظيرا من الواحد وهو عليك فحمله عليه وقول الخليل هو الصواب من ثلاثة أوجه أحدها افراد حَنَانٍ تارةً وتثنيتُه تارة في حَنانيك ولثانى الاضافة الى الظاهر مع وجود الياء خلاف قولهم على ذلك (١) وذلك على لبى زيد وسعدى زيد والوجه الثالث ما تقتضيه المبالغة من التثنية على ما بينا قبل ولا يجوز في حَوالَكَ وحَوَالَيْكَ الا الافرادُ والتثنيةُ للاشهار بانهما فيما يلزم فيه تثنيته لا على ما توهم يونس أنه واحد وكذلك افراد حَنانٍ من الاضافة انما هو للاشعار بأنها اضافة أصلها الانفصال لزمت لعلة قد بيناها قال الراجز
أَهَدَمُوا بَيْتَكَ لا أَبالَكَا |
|
وأنا أَمْشِى الدَّأَلَى حَوَالَكَا |
فهذا شاهد في حَوالَك أنه يجوز مع جواز حَوالَيْكَ وقال
دَعَوْتُ لِمَا نابنِى مِسْوَرًا |
|
فَلبَىَّ فَلَبَّىْ يَدَىْ مِسْوَرِ |
فهذا شاهد على أن التثنية مع الاضافة الى الظاهر وقد بينت به أيضا أن التثنية تكون للمبالغة فهو شاهد في تأويل قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) وأنا أذكر من معنى لبيك وسعديك وأبين من معنى التثنية مثل ما ذكرت في حنانيك وأخواتها من المصادر المثناة وأُرِى وجهَ الضرورة في التثنية وأُعْلِمُ كيف تَكْتَسِى هذه الالفاظُ معنى التعظيم والاجلال والمبالغةِ وكيف يكون وقوعها على الله تعالى فَمَنْ دونه* أما لَبَّيْكَ فاصلها مأخوذٌ من الالْبابِ وهو لزومُ الشئ يقال أَلَبَّ بالمكان اذا لزمه فلم يفارقه ولَبِّ التى أجراها الخليل مُجْرَى أَمْسِ وغاقِ هى المفردة من لَبَّيْكَ وبهذا استدل الفارسى أن هذه الالفاظ الجارية مجرى الاصوات كَهَلُمَّ قد تُشْتَقُّ منها أفعالٌ وبهذا قال ان الآنَ من قوله تعالى (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) ومن حيثُ ما تَصَرَّفَتْ مأخوذةٌ من القُرْب
__________________
(١) قوله خلاف قولهم على ذلك وذلك على الخ كذا بالاصل وهو خلط من الناسخ ويستفاد من عبارة سيبويه في الكتاب أن الاصل مع وجود الياء في قولهم لبى زيد وسعدى زيد وذلك خلاف قولهم على زيد وعلى يديه والوجه الثالث الخ كتبه مصححه