التنبيه الخامس : استصحاب الزمان والأمور التدريجية.
والبحث عن جريان الاستصحاب يقع في مقامين :
المقام الأول : في نفس الزمان. وملخص الكلام فيه : انه على القول ان الزمان موجود واحد ، وحقيقته التدرج ، متقوم بالانقضاء والانصرام ، ولذا يعبر عنه بالوجود غير القار ، اتحدت القضيتان حقيقة فيما إذا تعلق اليقين بزمان ثم شك في بقائه ، لأن الوجود الواحد تعلق به اليقين والشك ، فيجري فيه الاستصحاب ولو اعتبر فيه الاتحاد الدقي.
وأما على القول بأن الزمان مركب من آنات متباينة قصيرة لا تتجزى ، كما قالوا بتركب الأجسام من اجزاء لا تتجزى في مقابل القول بتركبها من المادة والصورة ، مع استحالة الالتزام بهذا القول ، لأن بعض البراهين المذكورة لذلك في الأجسام جارية في آنات الزمان ، فالاتحاد العقلي بين القضيتين حينئذ وان لم يكن متحققا ، إلّا أن الاتحاد العرفي موجود ، وهو كاف ، لأن مورد الاستصحاب ليس قطع الزمان واجزائه ، بل يستصحب نفس الزمان ، وهو وجود واحد عرفا ، وان لم يكن كذلك بالدقة ، فينطبق عليه عنوان نقض اليقين بالشك عرفا ، وهو المتبع في باب الظهورات كما عرفت. فعلى التقديرين لا مانع من جريان الاستصحاب في الزمان. ثم الأثر ان كان مترتبا على عدم ضد الزمان ، كما رتب جواز الأكل والشرب على عدم طلوع الفجر بقوله سبحانه (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ)(١) ، ووجوب الصلاة على عدم انتصاف الليل بقوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(٢) أي انتصافه ، جرى استصحاب عدم
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.
(٢) الإسراء : ٧٨.