نعم لنا كلام في جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية مطلقا ، سواء كان مدركه الدليل الشرعي أو حكم العقل.
٣ ـ التفصيل بين الشبهات الحكمية والموضوعية :
وحاصله : ان النراقي تبعا لجمع من المحدثين فصل في جريان الاستصحاب بين الأحكام الكلية الإلهية وغيرها ، واختار عدم جريانها فيها في مواضع من المستند ، ولم يبين وجهه تفصيلا. وما وجهه به شيخنا الأنصاري (١) غير ظاهر من كلامه. وعلى كل من ذهب إلى جريانه في الأحكام الكلية فدليله عموم العلة المستفاد من قوله عليهالسلام «فانه لا ينبغي ان ينقض اليقين بالشك» وان كان موردها حكما جزئيا.
إلّا ان التفصيل في محله ، لا من جهة اختصاص الصحيحة بمقام دون مقام ، لما عرفت ان مفادها التعبد ببقاء اليقين ، وكونه حجة بقاء بالتعبد ، كما انه حجة حدوثا بالذات ، ولا لأجل ان موردها الشبهة الموضوعية ، لأنه يستفاد من التعليل الوارد فيها ومن غيرها أيضا كبرى كلية ، بل لأن الاستصحاب في الأحكام الكلية دائما معارض بمثله.
توضيح ذلك أن للحكم مرحلتان ، مرحلة الجعل أعني الاعتبار المبرز ، ومرحلة المجعول أي فعلية المعتبر والحكم الّذي تعلق به الجعل والتشريع. وان شئت عبر عن المرحلة الأولى بالجعل ، وعن الثانية بالمجعول ، أو عن الأولى بالاعتبار ، وعن الثاني بالمعتبر ، أو عن الأولى بالإنشاء ، وعن الثانية بالفعلية ، وكل ذلك صحيح ، ولا مناقشة في الاصطلاح ، فانه بعد تشريع الحكم بنحو القضية الحقيقية على الموضوعات المفروضة وجودها كما في قوله سبحانه (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٦٤٦ (ط. جامعة المدرسين).