ونقول : ما أفاده من عدم وجوب دفع كلا الأمرين وإن كان صحيحا ، إلّا ان جعل المثال من باب التزاحم ممنوع ، بعد ما بيناه من ان التزاحم إنّما يكون فيما إذا كان التنافي من جهة عجز المكلف ، بل هو من باب التعارض بالعرض ، لأن كلا من دليلي الحكمين وان لم يكن منافيا للآخر في نفسه إلّا انّه ضاف له ، للعلم الإجمالي الخارجي بكذب أحدهما ، فكل منهما بالالتزام ينفي ما أثبته الآخر ، كما في معارضة دليل وجوب الظهر ودليل وجوب الجمعة في يومها.
المقام الثاني : في حكم التعارض ، وان مقتضى القاعدة فيه هو التساقط أو الأخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا؟
لا يخفى عدم ترتب الأثر على البحث عما تقتضيه القاعدة في تعارض الخبرين ، لأنه منصوص ، ورد الدليل على الأخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا.
وانما يترتب عليه الأثر في تعارض الأمارتين غير الخبرين ، كما إذا وقع التعارض بين ظاهري الكتاب بالعموم من وجه ، أو بينه وبين الخبر المتواتر المقطوع الصدور كذلك ، أو بين خبرين مقطوعي الصدور ، أو بين الأمارات الجارية في الموضوعات ، كالبينتين أو اليد إذا ثبتت لشخصين على مال واحد إلى غير ذلك.
والظاهر ان القاعدة عند تعارض الأمارتين تقتضي التساقط. أما فيما كان دليل اعتباره منحصرا بالسيرة فواضح ، لعدم ثبوت بناء من العقلاء على العمل بالأمارة إذا كانت متعارضة.
وأما فيما دل على اعتباره دليل لفظي ، فلما بيناه في بحث العلم الإجمالي من ان الدليل العام إذا كان لموضوعه فردان لم يمكن شموله لهما معا ، لا يعم شيء منهما. وذلك لدوران الأمر فيه بين أمور ثلاثة. إما أن يعمهما معا ، أو يعم أحدهما دون الآخر ، أو لا يعمهما أصلا. والثالث هو المتعين ، لأن شموله لهما معا ممتنع على الفرض ، ولأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح.