الدليلين بحيث لا يمكن صدق كليهما ، ولزم من صدق كل منهما كذب الآخر ولو بالعرض ، فلا تعارض بين الحاكم والمحكوم ، ولا بين الخاصّ والعام ، لأن الخاصّ مبين للمراد من العام ، وقرينة عليه عرفا ، فينتفي به موضوع دليل حجية العام في العموم ، وهو ما قامت عليه سيرة العقلاء في مورد الشك من أصالة العموم في المخصص المتصل ، أو حجيته في المخصص المنفصل. فالخاص ان كان قطعيا كان واردا على دليل اعتبار العام ، وان كان تعبديا كان حاكما عليه ، فتقدم الخاصّ على العام أيضا بالحكومة. والفرق بينه وبين الحكومة المصطلحة ، هو ان الدليل الحاكم في موارد الحكومة ينفي موضوع دليل المحكوم ، والخاصّ لا ينفي موضوع الدليل العام ، وانما ينفي موضوع دليل اعتبار أعني أصالة العموم وهو الشك ، فيسقط عن العموم ، ولو كان في أعلى مراتب الظهور ، فإن الظهور وان كان قويا انما يكون حجة فيما إذا قام الدليل على اعتباره.
فما ذكره الشيخ من ان تقدم الخاصّ على العام انما هو من جهة تقدم الأظهر على الظاهر (١) غير تام ، فإن الظاهر قد يتقدم على الأظهر فيما إذا كان قرينة عرفية عليه ، كما في قولك : رأيت أسدا يرمي ، فإن ظهور الأسد في الحيوان المفترس وضعي ، وظهور الرمي في مرمى النبل إطلاقي ، لأنه موضوع للقدر الجامع بين رمي النبل والتراب والحجر وغيره ، ومع ذلك يتقدم ظهوره على ظهور الأسد ، لكونه قرينة عليه. والأوصاف التي تكون فضلة في الكلام غالبا تكون قرينة على غيرها ، ويؤتى بها لبيان المراد من غيرها مما هو العمدة في الكلام ، فيتقدم ظهور القرينة وان كان أضعف الظهورات على ذي القرينة ولو كان في أقوى مراتب الظهور ، والسر فيه هو السر في تقدم الخاصّ على العام ، وهو الحكومة على ما تقدم.
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٧٨٧ (ط. جامعة المدرسين).