وثانيا : وهو أيضا عبارة أخرى عن الوجه الأول ، أو متمم له ، ان شمول المطلق وسريانه متوقف على عدم بيان القيد إلى الأبد غايته بقاء. وذلك لأن الشمول في المطلق ليس مدلولا لدليل لفظي كما في العام ، وانما هو مدلول لعدم البيان ، فما دام عدم البيان متحققا وهو الدليل كانت الدلالة أيضا ثابتة ، فينكشف بها الإطلاق ، وإذا لم تبدل بالبيان انتفت الدلالة والمنكشف لا محالة ، فثبوت الإطلاق في كل آن متوقف على عدم البيان في ذاك الآن ، وبانتفائه ينتفي الإطلاق حقيقة ، فهو ينظر إلى الأصول العملية مع الأمارة ، فإذا لم تكن الأمارة متحققة كان الأصل العملي جاريا حقيقة ، وإذا قامت الأمارة انتفى موضوع الأصل العملي لا محالة ، وهذا هو الحال في الإطلاق ، فما لم يكن بيان يكون الإطلاق ثابتا حقيقة ، وبمجرد تحقق البيان ينتفي الإطلاق ، لأنه كما عرفت مدلول عدم البيان ، وليس مدلولا للفظ ، ولذا لا يكون تقييده مستلزما للمجازية ، بخلاف تخصيص العام مستلزم لمجازيته ، وان لم يكن صحيحا على المختار ، إلّا ان غيره من الظهورات كذلك.
وبالجملة ما ذكره الشيخ من تقدم العام على المطلق ، لأنه تعليقي ، بخلاف العام ، تام ويترتب عليه ثمرة مهمة ، نذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى. فالعام لكون ظهوره في السريان تنجيزيا يتقدم على المطلق عند المعارضة ، لأن سريانه تعليقي على عدم بيان القيد ، والعام صالح لأن يكون بيانا.
المورد الثاني : مما ذكروا ان تقدم أحد الدليلين فيه على الآخر تحت ضابط كلي هو تعارض المطلق الشمولي مع المطلق البدلي ، فإن الإطلاق قد يكون شموليا منحلا إلى أحكام عديدة ، كإطلاق قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) الشامل لكل فرد من افراد البيع. وقد يكون بدليا ، بمعنى أن مفاده حكم واحد متعلق بالجامع ،
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.