ذمة المنوب عنه.
بقي الكلام في كيفية إحراز قصد النيابة. فهل يعتبر إحرازه بالعلم الوجداني ، أو بقيام البينة؟ الظاهر عدمه ، لاستحالة إحراز القصد الّذي هو من الأمور النفسانيّة بذلك عادة. فهل يكتفي فيه بمجرد اخباره مطلقا ، أو إذا كان عادلا ، ولذا اعتبر بعضهم العدالة في النائب ، أو فيما إذا كان موثقا؟ الظاهر هو الأخير ، وفساد الأولين.
أما اعتبار اخباره بذلك مطلقا لكون المخبر مما لا يعلم إلّا من قبله ، فمما لم يقم عليه الدليل إلّا في موارد خاصة ، ليس المقام منها. وأما اعتبار العدالة فقط ، فلا شاهد عليه إلّا في البينة ونحوها. فيبقى اعتبار الوثوق والتحرز عن الكذب وان لم يكن متحرزا عن سائر المعاصي ، وهي مما دل على اعتباره في الاخبار وسيرة العقلاء ، على ما تقدم تفصيله في بحث حجية الخبر ، فلا بد وان يكون النائب موثقا ليكون اخباره بالفعل وقصد النيابة حجة.
الجهة الخامسة : ذكرنا سابقا ان حجية المثبتات لا بد من قيام دليل عليها ، من غير فرق بين الأمارات والأصول العملية ، ففي كل مورد قام الدليل على ترتيب آثار اللوازم العقلية أو العادية أو الملزومات أو الملازمات ثبت ذلك ، وإلّا فلا. ومن هنا قلنا : بعدم حجية مثبتات بعض الأمارات ، كالظن في القبلة ، فانه حجة من باب الكاشفية ، وإذا استلزم ثبوت الزوال مثلا لا يمكن ترتيب آثاره.
وعليه نقول : مثبتات أصالة الصحة ولوازمها العقلية لا تترتب عليها ، سواء قلنا بأنها من الأمارات أو بنينا على كونها أصلا عمليا ، لقصور دليلها عن إثبات ذلك ، فان دليلها السيرة ، ولم يثبت بناء العقلاء والمتدينين إلّا على ترتيب آثار نفس الصحة ، دون لوازمها العقلية والعادية. هذا مضافا إلى ان الظاهر انها من الأصول ، وليس اعتبارها من جهة كاشفيتها ، ولذا لا يستكشف بها الصحة