كناية عن المقدار الكثير ، مثلا في العرف يقال زيد عنده شيء من المال أي كثير منه ، وانما يؤتى بكلمة (من) للتبعيض كناية عن ان ما عنده قليل من المال الموجود في العالم وان كان كثيرا في نفسه ، وهذا هو النكتة في التعبير بلفظ (من) في المقام ، حيث ان المعظم مما يعرفه الفقيه قليل بالقياس إلى أحكامهم عليهمالسلام التي هي غير متناهية بحسب عقولنا.
فتحصل : ان الاجتهاد الموضوع لحرمة تقليد الغير يعرف بملكة الاستنباط. وأما الاجتهاد في جواز الإفتاء أو جواز القضاء فلا بد وأن يعرف بالاستنباط الفعلي أو الفقيه أو العارف بالاحكام ، ولا يمكن تعريفه بالملكة.
الجهة الثانية : ان المجتهد انما هو المستنبط للأحكام الشرعية من أدلتها ، لا من غيرها من الأقيسة العقلية ، التي لم يقم على اعتبارها دليل ، أو من الرمل والجفر ونحوه ، وان أوجب له العلم بالحكم الشرعي. فإذا فرضنا ان أحدا حصل له العلم بالحكم الشرعي من طريق الجفر مثلا ، فعلمه وان كان حجة عليه ، ولا بد أن يعمل به ، إلّا أن الغير ليس له الرجوع إليه في ذلك ، لعدم صدق عنوان العارف بالأحكام والفقه عليه ، المأخوذ في جواز التقليد ، كما ليس لمثله التصدي للقضاء.
ومن هنا ظهر أن القائل بالظن الانسدادي لا يجوز تقليده فيما ظن به من الأحكام. أما على الحكومة فظاهر ، لأنه حينئذ يعمل بظنه من باب التبعيض في الاحتياط ، وليس ظنه كاشفا له عن الواقع ولا حجة عليه. وأما على الكشف ، فالظن وان كان حجة بالقياس إليه ، وكاشف عن الواقع تعبدا ، إلّا ان مقدماته غير جارية في حق العامي ، فان من جملتها بطلان التقليد ، ومن الظاهر ان العامي له ان يقلد من هو عارف بالاحكام ويرى انفتاح باب العلم ، فلا تتم مقدمات الكشف بالقياس إلى المقلد ليكون ظن المجتهد حجة عليه.