الاستنباط يحرم عليه التقليد ، وأدلة التقليد منصرفة عنه. فان تم ما ذكره قدسسره لا بد من تعريف الاجتهاد بالملكة والقدرة على الاستنباط. وان لم يتم ، وقلنا : أن من يحرم عليه التقليد انما هو العالم بالاحكام ، وليس القادر على الاستنباط عالما ، فلا بد من تعريفه بالاستنباط الفعلي.
وأما جواز الإفتاء وتقليد الغير إياه ، فهو مترتب على الفقيه وأهل الذّكر ، كما في التوقيع ، وقوله تعالى (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ)(١) وآية الذّكر (٢). ومن الظاهر ان الفقيه لا يعم من هو قادر على الاستنباط ولم يستنبط ، بل لا بد في صدقه من أن يكون مستنبطا لمعظم الأحكام التي تكون موردا لابتلاء الناس. ولا يبعد تعريفه بما عرف به الفقه من أنه العلم بالاحكام الفرعية عن أدلتها التفصيلية ، فالمجتهد هو العارف بالاحكام ، وكذلك فالاجتهاد الموضوع لجواز الإفتاء لا يمكن تعريفه بالملكة ، بل لا بد من تعريفه باستنباط الحجة ، وتحصيله فعلا أو بالفقيه. ويمكن ان يرفع بهذا النزاع بين الاخباري والأصولي.
وأما القضاء وشئونه ، فهو مترتب في الشريعة والأخبار على العارف بالاحكام ، لقوله عليهالسلام «انظروا إلى رجل منكم نظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا» (٣) ومن الظاهر ان العارف بأحكامهم لا يصدق على من تمكن من الاستنباط ، بل لا بد وان يكون مستنبطا لمعظم الأحكام ليصدق عليه العارف بالأحكام.
وفي بعض أخبار القضاء وان ورد «عرف شيئا من أحكامنا» إلّا أنه لا يمكن أن يستفاد منه كفاية استنباط حكم أو حكمين في القضاء ، وذلك لأن هذا التعبير
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.
(٢) النمل : ٤٣.
(٣) وسائل الشيعة : ١٨ ـ باب ١١ من أبواب صفات القاضي ، ح ١.