قبيل دوران الأمر بين المحذورين ، وحكمه التخيير. وان كان الأمر دائرا بين الوجوب والإباحة، أو الحرمة والإباحة ، كان من قبيل الشك في التكليف ، والمرجع فيه هو البراءة.
ولكن الصحيح : انه لا وجه لتوهم رجوع التعارض إلى التزاحم على شيء من التقادير ، سواء قلنا بالطريقية أو بالمصلحة السلوكية أو بالسببية المصطلحة ، وسواء كانت المصلحة في فعل المكلف أو في فعل المولى. وسواء قلنا بالموافقة الالتزامية أو لم نقل.
والوجه في ذلك : ان السببية بجميع أقسامها انما تتوهم فيما إذا كانت الأمارة معتبرة ، منجزة للواقع ، أو معذرة عنه. وأما الطريق غير المعتبر في نفسه ، الّذي ليس بمنجز ولا معذر ولو للمعارضة ، فلا يوجب حدوث المصلحة ولا المفسدة أصلا ، والقائل بالسببية أيضا لا يقول بها ظاهرا في هذا الفرض ، وعليه فموضوع رجوع التعارض إلى التزاحم ينتفي رأسا على جميع التقادير كما هو ظاهر.
فالصحيح : ان مقتضى القاعدة عند تعارض الأمارتين هو التساقط والرجوع إلى دليل آخر. إلّا ان في تعارض الخبرين ورد النص على الأخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا.
ثم لا بأس ببيان بعض مرجحات التزاحم في المقام.
المرجح الأول : لقد ذكروا من جملة موارد الترجيح مزاحمة الواجب المضيق مع الموسع ، مثل رد السلام والصلاة في أول وقتها. ومزاحمة الواجب التعييني مع التخييري ، كأداء الدين وإطعام ستين مسكين للكفارة إذا وقعت المزاحمة بينهما. والجامع مزاحمة ما ليس له بدل مع ما له البدل ، فيقدم الأول على الثاني ، ولو كان ما ليس له البدل أضعف الواجبات ، وما له البدل أقواها ، فجعلوا هذا من المرجحات.