التنبيه الرابع : استصحاب الكلي.
قد يكون المستصحب شخصا فيما إذا رتب الأثر على الشخص شرعا ، كحرمة المكث في المسجد المترتبة على خصوص الجنابة. وقد يكون كليا ملغى عنه الخصوصيات الشخصية فيما إذا كان الأثر مترتبا على الجامع ، كحرمة مس المصحف على المحدث على ما فسّر به قوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(١) من باب التفعل لا التفعيل.
وليعلم ان جريان الاستصحاب في الكلي غير مبني على القول بوجود الطبيعي في الخارج ، وإن كان هو الصحيح ، بل يجري حتى على القول بكونه انتزاعيا ، لأن حقيقة الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما تعلق به اليقين حدوثا إذا كان موردا للأثر على ما هو عليه من الوجود الخارجي أو الانتزاعي. فالمراد من الثبوت في مورد الاستصحاب ما يعم الثبوت الخارجي والانتزاعي وغير ذلك. على أن البحث عن وجود الكلي الطبيعي بحث فلسفي في انه يمكن وجود أمرين طوليين بوجود واحد ، وإنما يستحيل ذلك في الموجودين العرضيين لكونه خلفا أو لا يمكن ذلك مطلقا؟ واما بالنظر العرفي المسامحي فالكلي الطبيعي موجود حقيقة ، والألفاظ تحمل على المعاني العرفية.
ثم انه لا يفرق في جريان الاستصحاب في الكلي بين ان يكون من المقولات المتأصلة كالجواهر والأعراض ، أو يكون من الأمور الانتزاعية كالعناوين الاشتقاقية مثل العالم والقائم فيجري فيها الاستصحاب إذا رتب عليها الأثر ، أو يكون من الأمور الاعتبارية كالملكية والزوجية ، ومن هذا القبيل جميع الأحكام الوضعيّة والتكليفية.
__________________
(١) الواقعة : ٧٩.