ثالثها : ما هو تقريب آخر لهذا الوجه وحاصله : ان سريان الحكم في الإطلاق البدلي متوقف على عدم وجود مانع عن ذلك ، والإطلاق الشمولي المعارض له صالح للمانعية ، لما عرفت من صلاحيته لنفي تساوي مورد مع بقية الأفراد في وفائه بالملاك ، فإذا توقف إطلاقه على الإطلاق البدلي لزم الدور.
والجواب عن ذلك : هو ان الإطلاق البدلي بنفسه كاشف عن تساوي الأفراد ، ولذا لو احتملنا عدم تساويها في غير فرض المعارضة ، كما إذا ورد في الدليل أكرم عالما واحتملنا عدم كون العالم الفاسق كالعالم العادل من حيث اشتماله على الملاك ، فنفس إطلاق الدليل ينفي هذا الاحتمال ، وكذا الحال عند المعارضة ، فلا يتوقف السريان في الإطلاق البدلي على إحراز التساوي من الخارج كالإطلاق الشمولي ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة ، إذا كما يصلح المطلق الشمولي للمانعية عن الإطلاق البدلي ، كذلك الإطلاق البدلي صالح لأن يكون مانعا عن الإطلاق الشمولي ، كما في كل متعارضين ، فلا وجه لتقديم الشمولي على البدلي ، بل يسقطان معا بالمعارضة على ما هو مقتضى القاعدة.
المورد الثالث : من موارد تقدم أحد الدليلين على الآخر عند المعارضة كلية ، ما إذا دار الأمر بين التخصيص والنسخ ، فإن دوران الأمر بينهما تارة : يكون في دليل واحد. وأخرى : في دليلين.
والأول : كما إذا ورد عام ثم ورد بعده خاص ، كما هو الكثير المتعارف ، مثلما ورد عن النبي (١) صلىاللهعليهوآلهوسلم انّ الماء لا ينجسه شيء إلّا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه ، ثم ورد عن بعض الأئمة عليهمالسلام ما يستفاد انفعال الماء القليل (٢). ودار أمر الخاصّ بين كونه مخصصا للعام ومبينا للمراد منه في الأول أو ناسخا له من الآن ، وقد بينا في محله
__________________
(١) مستدرك الوسائل : ١ ـ باب ٣ من أبواب الماء المطلق ، ح ١١.
(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ باب ٨ من أبواب الماء المطلق.