وفي المقام إذا فرضنا ان دليل اعتبار البينة لا يمكن ان يعم البينتين المتعارضتين ، لاستلزامه التعبد بالضدين أو النقيضين ، وشموله لأحدهما دون الآخر بلا مرجح ، فيتعين عدم شموله لشيء منهما.
ثم هل يمكن بعد تساقطهما الرجوع إلى حكم ثالث لا يوافق شيئا منهما ، بل ينافيهما ، كالرجوع إلى الإباحة ، تمسكا بأصالة الحل بعد تساقط ما دل على وجوب الشيء وما دل على حرمته ، مع أن الإباحة مخالف لكلا الدليلين ، أو لا يمكن ذلك؟
وليعلم ان مورد البحث في ذلك ما إذا لم يعلم من الخارج انتفاء الحكم الثالث. ذهب صاحب الكفاية والميرزا قدسسره إلى جواز الرجوع إليه ، ولكل منهما تقريب في ذلك.
أما ما ذكره في الكفاية (١) فحاصله : ان مقتضى التعارض بين الدليلين ليس إلّا عدم إمكان الأخذ بهما معا ، للعلم بكذب أحدهما ، وعدم إمكان الأخذ بأحدهما المعين ، لكونه ترجيحا بلا مرجح. وأما أحدهما لا بعينه فلا يقتضي التعارض سقوطه عن الحجية ، ومقتضى اعتباره عدم إمكان الرجوع إلى ما ينافيهما معا ، ولو كان ثبوته محتملا ، ولم يعلم من الخارج بموافقة أحد الدليلين للواقع ، كما إذا دل دليل على وجوب الظهر ودليل آخر على وجوب الجمعة فيها ، حيث يعلم من الخارج بعدم إمكان الرجوع إلى البراءة عنهما.
وبالجملة التعارض بين دليل وجوب الشيء وحرمته انما يقتضي عدم شمول دليل الحجية لهما معا ، ولخصوص دليل الوجوب دون الحرمة أو العكس ، وأما أحدهما لا بعينه فهو مشمول لدليل الحجية ، ومقتضى ذلك عدم إمكان الرجوع إلى حكم ثالث ينافيهما كالإباحة.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٣٨٢ ـ ٣٨٥.