وفيه : ان دليل حجية الخبر مثلا كما بيناه في بحث العلم الإجمالي انما يعم ما هو خبر في الخارج ، بحيث يصدق عليه الاخبار خارجا ، وليس في الخارج ما يصدق عليه هذا العنوان إلّا دليل الوجوب معينا ، وما دل على الحرمة بخصوصه ، وقد فرض عدم شمول دليل الحجية لهما. وأما أحدهما لا بعينه فليس إلّا مفهوم انتزاعي ، لا واقع له ، فلا يعمه دليل حجية الخبر ، بل لا معنى لشمول دليل الخبر له أصلا. وكذا الحال في بقية الأمارات ، وقد تقدم تفصيله في محله.
وأما ما ذكره الميرزا قدسسره فحاصله (١) : ان الدلالة الالتزامية وان كانت تابعة للدلالة المطابقية على حسب تبعية المدلول الالتزامي للمدلول المطابقي في مقام الثبوت واقعا ، فان الحرارة مثلا تابعة للنار ثبوتا ، وتابعة لها في مقام الإثبات على ما هو مقتضى تبعية مقام الإثبات للثبوت ، إلّا انها أي الدلالة الالتزامية ليست تابعة للدلالة المطابقية في الحجية.
وسر ذلك أنهما دلالتان وخبران كخبرين مستقلين ، فإذا أخبر أحد بقتل أحد وانفصال رأسه فقد أخبر بموته أيضا ، والعلم بكذب أحد الخبرين وسقوطه عن الحجية لا يقتضي سقوط الآخر كذلك. وعليه فكل من الخبرين المتعارضين الدالين على وجوب شيء وحرمته بمدلولهما الالتزامي ينفي إباحة ذلك الشيء ، فإذا سقطا في مدلولهما المطابقي لمكان المعارضة لم يكن وجه لسقوطهما في مدلولهما الالتزامي ، وهو انتفاء الإباحة ، فكل منهما يكون دليلا على نفي الحكم الثالث.
وهذا هو الفرق بين التقريبين ، إذ مقتضى تقريب الكفاية ان يكون انتفاء الحكم الثالث بأحد الدليلين لا بعينه ، وهذا التقريب يقتضي انتفاؤه بكل منهما.
__________________
(١) فوائد الأصول : ٤ ـ ٧٥٦ ـ ٧٥٧.