الاستصحاب من أن الأمارة تلغي احتمال الخلاف (١) فكأنّ صاحب الكفاية تخيل ان مراده إلغاء احتمال بقاء الحالة السابقة ، فأشكل عليه بأنه عليه لا بد من العمل بالاستصحاب إذا كانت الأمارة موافقة معه ، لأنها حينئذ لا تلغي احتمال الخلاف. وغفل عن أن مراد الشيخ إلغاء الشك واحتمال مخالفة الأمارة للواقع ، وهذا ثابت في الأمارة الموافقة مع الاستصحاب ، والمخالفة له.
ثم انه ربما يتوهم ان الحكومة المذكورة انما تتم على المسلك المعروف في الفرق بين الأمارة والأصل من تقيد موضوع الأصل بالجهل والشك ، دون الأمارة ، فانها مطلقة تعم مورد الأصل ، فتكون حاكمة عليه. ولا تتم على المختار من عدم الفرق بينهما من هذه الجهة ، وتقيد موضوع الأمارة بالجهل أيضا ، لاستحالة الإهمال ، واستحالة شمول دليل حجيتها للعالم بالواقع أو اختصاصها به ، فلا محالة تختص بالجاهل.
ولكنه توهم فاسد ، وذلك لأن أدلة الأمارة غالبا مطلقة من هذه الجهة ، إلّا قوله سبحانه وتعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢) وانما قيدناها بحكم العقل باستحالة شمولها للعالم ، فلا بد في التقييد من الاقتصار على ما يستقل العقل بعدم إمكان حجية الأمارة فيه ، وهو ما إذا كان الإنسان متيقنا وجدانا ، وأما في غيره ولو كان مورد الاستصحاب فإطلاق الأدلة شاملة ، فالأمارة تكون حجة ولو كانت مخالفة للاستصحاب.
وأما الاستصحاب فقد أخذ فيه الشك بقول مطلق في لسان الدليل على ما هو ظاهر إطلاقه ، لا خصوص الشك الوجداني ، والشك بقول مطلق ينافيه اليقين التعبدي ، فينتفي بدليل الأمارة ، لأنه ينفي الشك تعبدا ، فلا يبقى معها الشك
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٧٠٤ (ط. جامعة المدرسين).
(٢) النحل : ٤٣. الأنبياء : ٧.