ان استمرار الخاصّ يكون ثابتا بالإطلاق ، وسريان العام يكون بالعموم اللفظي ، وقد بينا تقدم العموم اللفظي على الإطلاق عند المعارضة ، فلو كان الوجه في التقديم هو الأظهرية لا بد من ترجيح النسخ على التخصيص.
الثالث : ما ذكره الميرزا (١) قدسسره في تقديم التخصيص على النسخ ، وهو : ان سريان الحكم في العام وان كان بالوضع إلّا انه متوقف على إجراء مقدمات الحكمة في مدخولها ، وذلك لأن أداة العموم موضوعة لسريان الحكم إلى تمام أفراد ما يراد من مدخوله ، فإثبات ان المراد من المدخول هو الجامع غير المقيد بقيد خاص لا بد وان يكون بمقدمات الحكمة ، والخاصّ المتقدم يمنع جريانها.
وفيه : انّا قد بينا في محله ان أداة العموم بنفسها متكفلة لإثبات إطلاق مدخولها أيضا ، وهي موضوعة لذلك ، ببيان تقدم ، فلا يتوقف عموم العام وسريانه إلى جميع الأفراد إلى إجراء مقدمات الحكمة في المدخول ليكون الخاصّ المتقدم مانعا عنه.
ولكن الصحيح : تقدم التخصيص على النسخ لوجهين ، ذكرناهما في بحث العام والخاصّ :
أحدهما : انه وان وقع الخلاف بينهم في قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة وعدمه ، وبنو عليه ان الخاصّ المتأخر ان كان واردا قبل حضور وقت العمل بالعامّ فهو ناسخ له ، وإلّا فهو مخصص ، إلّا انه لم يحتمل أحد قبح تقديم البيان عن وقت الحاجة ، فلا مانع من ان يعلن المتكلم بأنه يريد من جميع ما تكلم به غدا معانيها المجازية. وعليه فيكون الخاصّ المتقدم بيانا ، أتى به المتكلم قبل وقت الحاجة ، فلا ينعقد معه للعام ظهور في العموم أصلا.
__________________
(١) أجود التقريرات : ٢ ـ ٥١٤.