للحكومة ، بل لا بد فيها من كون الأصل الحاكم رافعا لموضوع الأصل المحكوم ، وهو الشك بإثبات متعلقه أو نفيه بأن كان أثرا شرعيا مترتبا عليه ، كنجاسة الثوب المغسول بماء يشك في طهارته ، والمقام ليس من هذا القبيل ، فان الشك في بقاء المجعول وإن كان مسببا عن الشك في الجعل ، بل لا واقع للمجعول سوى الجعل ، فانهما نظير الفرض والمفروض ، والبناء والمبنى ، والوجود والماهية ، فالمجعول هو المعتبر ، والجعل هو الاعتبار ، ولا واقع للمعتبر إلّا الاعتبار. ولكن بقاء المجعول وعدمه ليس أثرا شرعيا للجعل ، بل هو من آثاره تكوينا ، فالحكومة غير ثابتة ، والصحيح هي المعارضة.
الثالث : ان مجرد الجعل لا يترتب عليه الأثر ، فانه انما يترتب على الحكم الفعلي ، حتى الأثر العقلي من البعث والزجر ، ولذا كثيرا ما نعلم بالجعل ولا يترتب عليه أثر ، لعدم فعليته بالقياس إلينا ، كعلمنا بوجوب الزكاة على من ملك مائتي درهم أو عشرين دينار بعد مضي الحول عليها ، فلا يترتب أثر عملي على استصحاب عدم الجعل ، واعتباره في الاستصحاب مما لا ريب فيه ، ولا يترتب عليه عدم المجعول إلّا بنحو الأصل المثبت.
وفيه : ما تقدم تفصيله في بحث الواجب المشروط من أن الأحكام سواء كانت تكليفية أو وضعية لا واقع لها سوى الاعتبار ، غاية الأمر ان الاعتبار قد يتعلق بأمر فعلي ، وقد يتعلق بأمر استقبالي ، فيكون الاعتبار فعليا والمعتبر متأخرا ، نظير الوصية ، إذ يعتبر الموصي لغيره الملكية بعد وفاته ، وفي الإجارة يعتبر الملكية الفعلية المتعلقة بأمر متأخر ، فيكون الاعتبار والمعتبر كلاهما فعليا ومتعلق المعتبر أمرا متأخرا. وبهذا فرقنا بين المعلق والمشروط ، ففي المعلق يكون الاعتبار والمعتبر كلاهما فعليا والمتعلق استقباليا ، وفي المشروط يكون الاعتبار فقط فعليا والمعتبر أمرا متأخرا لا يوجد إلّا بعد تحقق الشرط.