والأحكام بأجمعها مشروطة بوجود موضوعها ، فيصح نفيها حقيقة إذا لم يتحقق موضوعها خارجا ، فإذا حكم الشارع بنجاسة الخنزير ، وقال : الخنزير نجس ، فمرجعه إلى انه إذا وجد في الخارج شيء وصدق عليه الخنزير فهو نجس ، فإذا فرضنا عدم وجود الخنزير في العالم صح نفي نجاسة الخنزير ، ويكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
وعليه فتحقق الحكم المجعول يكون بثبوت أمرين ، أحدهما : تحقق الاعتبار والجعل ، ثانيهما : فعلية الموضوع. وأما عدم المجعول فيكفي فيه انتفاء أحد الأمرين ، فإذا تحقق الجعل ولم يتحقق الموضوع انتفى المجعول. كما انه إذا وجد الموضوع ولم يتحقق الاعتبار والجعل انتفى المجعول أيضا ، فإذا يكفي استصحاب عدم الجعل في انتفاء المجعول ، بل هو عينه لا لازمه ، لما عرفت من أنه لا واقع للمجعول سوى الجعل والاعتبار ، غاية الأمر إذا انتفى الجعل واقعا انتفى المجعول كذلك ، وإذا انتفى بالتعبد الاستصحابي ظاهرا حكم بانتفاء المجعول ظاهرا. ولا فرق من حيث الأثر في الحكم بانتفاء المجعول بين الظاهر والواقع ، ولهذا لم يستشكل أحد في استصحاب عدم النسخ أي بقاء الجعل ، بل ادعى المحدث الأسترآبادي ضروريته ، مع أنه لا يترتب عليه الأثر إلّا بعد فعلية الموضوع. نعم أثره جواز الإفتاء بالقياس إلى المفتي ، وهو غير متوقف على وجود الموضوع.
فتلخص : أنه لا مانع من استصحاب عدم الجعل ، ودائما يعارض به استصحاب بقاء المجعول ، إلّا في الشبهات الموضوعية التي هي مورد الصحيحة ، فانه يستصحب فيها بقاء الموضوع ، ويترتب عليه حكمه.
ولكن ما ذكرناه مختص بالأحكام الإلزامية وما يلحق بها من الأحكام الوضعيّة. ولا يجري في الإباحة وما يلحق بها من الطهارة الحدثية أو الخبثية ، فإذا شككنا في بقاء إباحة العصير التمري مثلا بعد غليانه أو الزبيبي ، مع قطع النّظر عن