الاستصحاب التعليقي ، يجري فيه استصحاب بقاء الإباحة الثابتة قبل الغليان ، ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الإباحة لما بعد الغليان.
وذلك لما تقدم في دفع توهم المعارضة بين الاستصحابين في مرحلة الجعل ، من ان الإباحة غير محتاجة إلى جعل مستقل ، بل الإباحة العقلائية ثابتة لجميع الأشياء ما لم يجعل لها حكم إلزاميّ ، وقد أمضاها الشارع على ما يستفاد من قوله عليهالسلام «اسكتوا عما سكت الله عنه» وغير ذلك ، فكأن الشريعة المقدسة إنما شرعت لبيان الإلزامات. وأما الترخيص فكانت الأشياء عليه قبل ثبوت الشرع ، فاستصحاب عدم جعل الإلزام يجري ، ويثبت به موضوع الإباحة ، فالشك في بقاء الإباحة مسبوق بيقينين في مرحلتين ، ومقتضى الاستصحاب في كليهما بقاء الإباحة.
وأما الطهارة الخبثية ، فكذلك كانت الأشياء عليها في أوّل الشريعة بحسب الارتكاز العقلائي ما لم تثبت لها نجاسة ، فأمضاها الشارع ، وهكذا الآثار المترتبة عليها ، فكل ذلك غير محتاج إلى جعل وبيان مستقل ، ولذا لم يبين طهارة كل موضوع مستقلا ، فلم يرد في دليل ان الشجر طاهر ، والحجر طاهر ، والمدر طاهر إلى غير ذلك ، وإنما بين النجاسات ، فهي المحتاجة إلى الجعل والبيان ، والذوق العرفي يوافق ما ذكرناه ، فان القذارة العرفية طارئة على الأشياء ، وهي المحتاجة إلى المئونة ، وإلّا فكل الأشياء طاهر عرفا ما لم يكن فيه موجب القذارة ذاتا أو عرضا.
وعليه فإذا شك في طهارة ماء التمر بعد ما غلى ، فاستصحاب طهارته بلا معارض ، إذ لا مجال لاستصحاب عدم جعل الطهارة له ، بل الأصل عدم جعل نجاسته ، وهو موافق من حيث المؤدى لاستصحاب بقاء الطهارة.
وأما الطهارة عن الحدث ، فهي أيضا غير محتاجة إلى الجعل بقاء في كل حال