علّيته وهكذا إلى ما لا نهاية له ، فما هو الموجود في الخارج ذات العلة وذات المعلول ، والعلية منتزعة من ترتب الثاني على الأول. وكذا الحال في جميع العناوين الاشتقاقية ، فان الموجود الخارجي فيها ليس إلّا الذات والمبدأ ، وأما العنوان الاشتقاقي فهو منتزع من اتصاف الذات به على ما مرّ تفصيله في بحث المشتق. وهذا التقسيم جار في جميع الأمور الاعتبارية ، فان بعضها متأصلة في وعاء الاعتبار ، كالملكية المعتبرة عند الحيازة أو البيع ونحوها من الأحكام الوضعيّة والتكليفية ، فانها متأصلة في الجعل ، وبعضها ليست متأصلة ، كسببية الحيازة لحصول الملك ، فانها منتزعة من حكم الشارع بالملكية عند حصولها ، فهي مجعولة بالتبع. فالوجود الانتزاعي جامع بين الأمور الخارجية والاعتبارية ، بمعنى أنه يتصف به كل منهما ، وينقسم إليه كل منهما ، والفرق انما هو في الوعاء. كما ان الوجود المتأصل كذلك أيضا.
الثالث : أن الاعتبار كما عرفت من أفعال النّفس ، والموجود به هو المعتبر. وأما نفس الاعتبار فليس موجودا اعتباريا وإلّا لتسلسل ، بل هو موجود حقيقي كالتصور والبناء ونحو ذلك ، فان الموجود بالتصور هو المتصور في وعاء التصور ، وأما نفس التصور فهو موجود واقعي خارجي ، فالاعتبار أيضا موجود خارجا ، والمعتبر موجود بالاعتبار ، فنسبة المعتبر إلى الاعتبار نسبة الماهية إلى الوجود تقريبا.
إذا عرفت هذه الأمور نقول : فصل صاحب الكفاية (١) في جعل الأحكام الوضعيّة ، حيث قسمها إلى أقسام ثلاثة. وذهب إلى ان منها ما لا تناله يد الجعل لا بالأصالة ولا بالتبع ، كالشرطية والمانعية بالإضافة إلى التكليف ، فانها غير
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٣٠٣ ـ ٣٠٥.