بقي الكلام في بعض الأحكام الوضعيّة التي وقع النزاع في مجعوليتها مستقلا.
منها : الطهارة والنجاسة. فان شيخنا الأنصاري قدسسره ذهب إلى أنهما أمران تكوينيان كشف عنهما الشارع ، فالطهارة هي النظافة الخارجية ، والنجاسة هي القذارة التكوينية ، وليس هناك حكم مجعول شرعا.
وفيه : أولا : انه مخالف لظواهر الأدلة ، لأن ظاهر كلام الشارع وروده في مقام التشريع والجعل ، لا أنه يتكلم بما أنه عالم بالغيب ، فيكشف عن أمر خارجي كطبيب يبين خواص الأدوية ونحوها.
وثانيا : أنهما لو كانتا من الأمور الواقعية لكانتا من المقولات ، ولا يمكن الالتزام بوجود قذارة مقولية في جملة من موارد حكم الشارع بالنجاسة ، وان أمكن ذلك في بعضها كالبول والغائط. وأما ولد الكافر التابع له مع بعده عنه وغسل جسده بصابون وماء طاهر فالالتزام بوجود قذارة خارجية فيه بحيث تزول بمجرد تكلم وليه بالشهادتين بعيد جدا.
فلا مناص من القول بأنهما حكمان مجعولان ، غاية الأمر لم يكن جعلهما جزافا ، وإنما هو تابع لملاك ثابت في المتعلق على مسلك العدلية من تبعية الأحكام لمصالح في متعلقاتها ، وهو غير مختص بهما ، بل ثابت في جميع الأحكام من الوضعيّة والتكليفية من غير ان يوجب كونها أمورا واقعية كشف عنها الشارع.
ولا يبعد أن يكون ملاك حكم الشارع بنجاسة الكافر اجتناب المسلمين عن الكفار ، وتقليلا لمخالطتهم حفظا لهم من التخلق بأخلاقهم وعاداتهم ، فان نجاستهم قد توجب ذلك ، حيث ان المعاشرة معهم حينئذ تستلزم تنجس البدن واللباس والتطهير يكون صعبا غالبا. وهكذا السر في الحكم بنجاسة الخمر ، فانها توجب التجنب ، فلا يبتلي الإنسان بشربه. ولعل هذا مراد الشهيد بما حكاه الشيخ عنه في الرسائل من ان السر في نجاسة الكافر ونحوه هو الاستقذار أو التوصل بها إلى الفرار.