الكفاية هو التفصيل فيهما بين العبادات والمعاملات ، فاختار ان الصحة والفساد في العبادات منتزعتان من انطباق المأمور به على المأتي به وعدمه ، والمطابقة وعدمها أمران تكوينيان. وأما في المعاملات فالصحة تكون بمعنى ترتب الأثر ، كما ان الفساد عبارة عن عدمه ، ولا معنى لترتب الأثر على معاملة دون أخرى إلّا حكم الشارع به ، فلا بد وأن يكونا مجعولين.
والصحيح : أنهما منتزعتان عن أمر تكويني ، وهو الانطباق وعدمه مطلقا. أما في العبادات فواضح. وأما في المعاملات فتوضيحه : ان الصحة والفساد ليسا من صفات الطبيعة التي هي متعلق الحكم ، فليس طبيعي البيع مثلا صحيحا ولا فاسدا من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، بل إذا وجد البيع في الخارج حقيقة أو بالفرض والتقدير ، كما إذا فرض بيع منشأ بلفظ غير عربي ، اتصف ذاك الموجود الحقيقي أو الفرضي بالصحّة تارة وبالفساد أخرى ، بلحاظ انطباق متعلق الحكم عليه وعدمه.
وبعبارة أخرى : الصحة والفساد لا ينتزعان من مرحلة الجعل ، لا في الأحكام التكليفية ولا في الأحكام الوضعيّة ، فمن مجرد أمر المولى بالصلاة إلى القبلة لا ينتزع صحة الصلاة إلى القبلة ، ومن حكمه بالمبادلة عند بيع البالغ العاقل الرشيد ماله لا ينتزع الصحة ، بل لا بد في ذلك من وجود صلاة أو بيع في الخارج ، أو فرض وجوده كذلك لينتزع عنه الصحة بلحاظ انطباق متعلق التكليف في الحكم التكليفي أو موضوع الحكم في الحكم الوضعي عليه ، أو ينتزع منه الفساد بلحاظ عدم انطباقه عليه. فالصحة والفساد في كلا البابين منتزعان عن انطباق متعلق الحكم أو موضوعه على الفرد الحقيقي أو التقديري وعدمه ، فهما منتزعان من أمر تكويني مطلق ، وليسا مجعولين تشريعا ، فالتفصيل لا وجه له.
نعم يمكن التفصيل بوجه آخر ، أي بين الصحة والفساد الواقعيين