فنقول : يقع الكلام تارة : في جريان الاستصحاب في مؤديات الطرق والأمارات ، وأخرى : في موارد الأصول العملية.
أما الأمارات : فيستحيل ان يكون المجعول فيها هو المنجزية والمعذرية ، لاستقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان ، وهو غير قابل للتخصيص ، كقبح الظلم الّذي لا يمكن تخصيصه ، فلا معنى لأن يقال ان العقاب بلا بيان قبيح إلّا في مورد الأمارة ، بل لو أراد المولى تنجيز الواقع لا بد له من إيصاله ولو بإيجاب الاحتياط على ما مرّ تفصيله.
وعليه فلا مناص من الالتزام بكون المجعول في الأمارات هي الطريقية ، أي اعتبارها علما تأسيسا أو إمضاء ، كما هو ظاهر أدلتها أيضا ، كقوله عليهالسلام «لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرد به عن ثقاتنا» فحينئذ يوجد باعتبار الشارع صنف آخر للعلم ، فيكون له فردان واقعي وتعبدي.
ويترتب على اعتباره هذا أمران :
أحدهما : المنجزية ، فان المكلف الّذي قامت الأمارة لديه على الإلزام كان له ان يتمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ويأمن بها قبل اعتبار الشارع الأمارة علما. وأما بعده فليس له ذلك ، لتمامية البيان كما في موارد القطع الوجداني ، فيكون نفس احتمال التكليف منجزا ، فالمنجزية ليست بنفسها مجعولة في باب الأمارات ، وإنما هي أثر لما هو المجعول.
ثانيهما : قيامها مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الكاشفية ، كما هو ظاهر عنوان العلم والقطع إذا أخذ في دليل ، فإذا قامت الأمارة على نجاسة شيء مثلا ، فنسيها المكلف ، وصلى فيه ، وجب عليه الإعادة ، كما كانت تجب عليه فيما إذا علم وجدانا بالنجاسة ونسيها ، ومن هنا ذكرنا في مبحث القطع قيام الأمارة بدليل حجيتها مقام القطع الطريقي المحض والمأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية من دون