الأوّل : للمحقّق الخراساني (١) تبعا للمحقّق الرضي قدسسرهما ـ وهو قول آخر في مقابل المشهور ـ وهو : إنّ المعنى الحرفي والاسمي متّحدان بالذات في جميع المراحل الثلاثة ـ أي الوضع والموضوع له والمستعمل فيه ـ وإن كان بينهما اختلاف من حيث لحاظ أحدهما استقلاليّا والآخر آليّا ، إلّا أنّ اللحاظ بأيّ نحو كان خارج عن حريم المعنى ، بل هو من شئون الاستعمال وتوابعه.
وما يستفاد من كلامه قدسسره في جواب المشهور أنّه مرّ مرارا أنّ خصوصيّة الموضوع له مساوق مع وجوده وجزئيّته ، فلا محالة يكون الموضوع له في الحروف جزئيّا. ثمّ يسأل بأنّه هل المراد من الجزئي الجزئي الخارجي أو الذهني؟ ولا ثالث له ، ولا شكّ في أنّهما متباينان لا يجتمعان ولا يرتفعان ، ولا يمكن أن يكون الوجود بدونهما ولا معهما.
إن قلت : إنّ الموضوع له في الحروف جزئيّ خارجيّ بأنّ الواضع في مقام وضع كلمة «من» لاحظ المفهوم الكلّي للابتداء ، ولكن وضعه لمصاديقه الخارجيّة.
قلنا : إنّا نرى كثيرا ما أنّ كلمة «من» تستعمل في مقام الأمر ، ولا شكّ في أنّه لا يمكن أن يكون المأمور به أمرا خارجيّا ؛ إذ الخارج ظرف سقوط التكليف لا ظرف ثبوته ، فلا بدّ أن يكون المأمور به في مقام تعلّق الأمر أمرا كلّيّا ، وإلّا لا معنى لقول المولى : «سر من البصرة إلى الكوفة» في مقام إنشاء التكليف ، ولا يمكن القول ببطلان هذا التعبير أو استعماله مجازا ، بل لا فرق وجدانا بينه وبين قولنا : «سرت من البصرة إلى الكوفة» بل ولا شكّ في صحّة استعمال جملة «إنّي أسير من قم» في الاستقبال ، وهذا الإخبار عن الاستقبال
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ١٣.