توضيحه : أنّا نبحث ابتداء في مرحلة ما قبل الاستعمال ، وثانيا : في مرحلة ما بعد الاستعمال.
وأمّا الأوّل : فإنّه إذا كان «زيد» قبل الإخبار والاستعمال موجودا في المدرسة ، وكانت المدرسة بعنوان ظرف مكاني له ، فلا نشكّ في تحقّق واقعيّة ثالثة سوى واقعيّة «زيد» والمدرسة ، وهي عبارة عن واقعيّة كونه في المدرسة. ويؤيّدها شكّ السامع أحيانا بعد إخبار مخبر بأنّ «زيدا» في المدرسة ، فإنّ واقعيّة «زيد» والمدرسة ليست قابلة للشكّ والإنكار ، واتّصاف هذا الخبر بالصدق والكذب حاكية عن واقعيّة ثالثة مشكوكة عند السامع.
ويؤيّدها أيضا أنّه لو ألقى هذه الجملة بصورة اسميّة نقول : المدرسة ظرف «زيد» ، ومعلوم أنّ الظرف اسم له واقعيّة من حيث المعنى ، واستعمال الحرف لا يوجب انعدام الواقعيّة الموجودة ، فلا نشكّ في أنّه يحكي عن واقعيّة ثالثة في المثال.
فتبيّن أنّ للمعاني الحرفيّة حقيقة وواقعيّة ، ولكنّ الواقعيّة قد تكون واقعيّة جوهريّة لا تحتاج في وجودها الذهني والخارجي إلى موضوع ، وقد تكون واقعيّة عرضيّة تحتاج في وجودها الخارجي إلى موضوع ، وقد تكون واقعيّة غير مستقلّة محتاجة إلى الواقعيّتين ، كواقعيّة كون «زيد» في المدرسة وواقعيّة العلم ، فإنّ احتياجه في وجوده إلى العالم والمعلوم لا يوجب سلب الواقعيّة عن العلم ، بل هذا التشبيه يقتضي التزامه قدسسره بعكس مطلوبه ؛ لأنّ كلمة «بعت» قد تستعمل في مقام الإخبار ويحكى عن الأمر المحقّق في السابق ، والحرف أيضا قد يستعمل في مقام الإخبار ، مثل : «سرت من البصرة إلى الكوفة» ، ولا بدّ من الالتزام هاهنا بأنّ المعاني الحرفيّة تحكي عن واقعيّة محقّقة في السابق ، فالمعاني