فتمسّك بكلمة «لا يبعد» ، ومعناه إمكان الفرق في جملة «بعت كذا» بين ما إذا استعملت في مقام الإخبار ، وبين ما إذا استعملت في مقام الإنشاء ، مع أنّه لا خصوصيّة هاهنا حتّى يوجب التمسّك.
والتحقيق في المسألة : أنّه كما قلنا في بحث الحروف : إنّ المعاني الحرفيّة والاسميّة متباينتان بتمام الذات والحقيقة ، وأنّ لفظ الابتداء يحكى عن المفهوم وعنوان الابتداء ، وحرف «من» يحكي عن المعنونات والواقعيّات الخارجيّة ، وكذلك في هذه المسألة لا مانع من أن يكون لجملة «بعت كذا» معنيان متضادّان بالحقيقة من حيث الموضوع له والمستعمل فيه : أحدهما عبارة عن الحكاية عن تحقّق البيع ، والآخر عن إنشاء البيع ، والعرف أيضا يساعد هذا المعنى ، إنّما الإشكال في أنّ لكلمة «بعت» مادّة وهيئة ، ولكلّ منهما معنى على حدة ؛ لأنّ مادّتها عبارة عن البيع ، وهو في اللغة مبادلة مال بمال ، وهيئتها عبارة عن الفعل الماضي لمتكلّم وحده ، ومعناه خبر محض وصرف الإخبار عن السابق ، وليس لمجموع الهيئة والمادّة وضعا ثالثا ، ولا نعلم أنّ المعنيين المذكورين مدلولان للهيئة أو للمادّة ، إن كانا مدلولين للهيئة فلم لا يكون في أمثال هذه الهيئة؟ وإن كانا مدلولين للمادّة فلم لا يكون في أمثال هذه المادّة؟
وهذا الإشكال يهدينا إلى الانصراف عمّا قلناه من أنّ لكلمة «بعت» معنيين متضادّين ، ويوجب القول بأنّ الإنشائيّة اخذت في حقيقة المادّة مع قطع النظر عن الهيئة ، ولا شكّ في أنّ المراد من المبادلة في المعنى اللغوي هي المبادلة الإنشائيّة لا المبادلة المكانيّة ، والإنشائيّة لا تنفكّ عن المادّة أصلا ، وأمّا استعمال كلمة «بعت» في مقام الإنشاء والإخبار ، مع أنّ عنوان الإنشائيّة محفوظ في نفس المادّة ، فيكون وضع الواضع الهيئة كذلك ، مثل كلمة «يضرب»