إذا عرفت هذا فاعلم أنّ مراد العلمين من الدلالة التي حكما بتبعيّتها للإرادة الدلالة التصديقيّة ، ولا يكون كلامهما ناظرا إلى الدلالة التصوّرية ، وكون الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة ، وكلامهما هاهنا ليس قابلا للإنكار ومسلّم عند الكلّ ، ولكنّه خارج عن محلّ النزاع.
ولكن اعترض على صاحب الكفاية عدّة من الأعاظم بأنّه لا وجه لحمل الدلالة في كلامهما على الدلالة التصديقيّة ، فإنّ تبعيّتها للإرادة في الواقع ونفس الأمر واضحة فلا مجال للكلام فيها أصلا ، فإنّ عبارة العلّامة ـ في «جواهر النضيد» التي نقلها عن استاذه وشيخه المحقّق الطّوسي ـ صريحة في الدلالة الوضعيّة التصوريّة.
فيكون مراد العلمين من هذا الكلام أنّ العلقة الوضعيّة مختصّة بصورة إرادة المعنى ، وليس مرادهما من ذلك أخذ الإرادة في المعنى الموضوع له شطرا أو شرطا.
والحاصل من كلامهما : أنّ للإرادة دخلا في الوضع ، وهي توجب التضييق فيه ؛ بحيث لو لم تكن الإرادة لم تتحقّق الدلالة الوضعيّة.
ولا يخفى أنّه كان لصاحب المحاضرات (١) كلام في هذا المقام ، حيث قال : قد وقع الكلام بين الأعلام في أنّ الدلالة الوضعيّة هل هي الدلالة التصوريّة أو أنّها الدلالة التصديقيّة؟ فالمعروف والمشهور هو الأوّل بتقريب أنّ الانتقال إلى المعنى عند تصوّر اللفظ لا بدّ أن يستند إلى سبب ، وذلك السبب عبارة عن الوضع. وذهب جماعة من المحقّقين إلى الثاني ـ أي انحصار الدلالة الوضعيّة بالدلالة التصديقيّة ـ والتحقيق حسب ما يقتضيه النظر الدقيق هو القول الثاني.
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ١٠٤ ـ ١٠٩.