«يا غفّار ، اغفر لي» ، مع أنّ كليهما من الحقائق.
وثانيا : أنّ إحراز حسن إطلاق الحقائق وعدم حسنه في المجازات متوقّف على العلم بهما ، وإلّا فكيف يحرز الجاهل أو المتردّد أنّ هذا الإطلاق حسن أو قبيح ، إلّا أن يتصوّر هاهنا أيضا العالم والمستعلم ، وهو خارج عن محلّ البحث.
وأمّا التفسير الآخر عن الاطّراد لبعض الأعلام على ما في كتاب المحاضرات (١) وهو : أنّ الاطّراد الكاشف عن الحقيقة عبارة عن استعمال لفظ خاصّ في معنى مخصوص في موارد مختلفة بمحمولات عديدة مع إلغاء جميع ما يحتمل أن يكون قرينة على إرادة المجاز ، وهذه طريقة عمليّة لتعليم اللّغات الأجنبيّة ، واستكشاف حقائقها العرفيّة.
توضيح ذلك : أنّ من جاء من بلد إلى بلد آخر ورد في بلد لا يعرف لغتهم ، فإذا تصدّى لتعلّم اللّغة السائدة في البلد رأى أنّ أهل البلد يطلقون لفظا ويريدون به معنى ، ويطلقون لفظا آخر ويريدون به معنى آخر ، وهكذا ، ولكنّه لا يعلم أنّ هذه الإطلاقات من الإطلاقات الحقيقيّة أو المجازيّة ، فإذا رأى أنّهم يطلقون هذه الألفاظ ويريدون بها تلك المعاني في جميع الموارد حصل له العلم بأنّها معاني حقيقية ؛ لأنّ جواز الاستعمال معلول لأحد أمرين: إمّا الوضع أو القرينة ، وحيث فرض انتفاء القرينة من جهة الاطّراد فلا محالة يكون مستندا إلى الوضع ، مثلا : إذا رأى أحد أنّ العرب يستعملون لفظ «الماء» في معناه المعهود ، ولكنّه شكّ في أنّه من المعاني الحقيقيّة أو من المعاني المجازيّة ، فمن إلغاء ما يحتمل أن يكون قرينة من جهة الاطّراد علم بأنّه من المعاني الحقيقيّة ، ولا يكون فهمه منه مستندا إلى قرينة حاليّة أو مقاليّة ، وبهذه الطريقة ـ أي تكرار
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ١٢١ ـ ١٢٤.