الاستعمال ـ غالبا يعلّمون الأطفال والصبيان اللّغات والألفاظ.
وبهذا تحصّل أنّ الاطّراد بهذا التفسير الذي ذكرناه علامة لإثبات الحقيقة ، بل أنّه هو السبب الوحيد لمعرفة الحقيقة غالبا ، فإنّ تصريح الواضع وإن كان يعلم به الحقيقة إلّا أنّه نادر جدّا ، وأمّا التبادر فهو وإن كان يثبت به الوضع ـ كما عرفت ـ إلّا أنّه لا بدّ من أن يستند إلى العلم بالوضع ، إمّا من جهة تصريح الواضع أو من جهة الاطّراد ، والأوّل نادر فيستند إلى الثاني لا محالة. انتهى.
وفيه : أوّلا : أنّ الإحاطة بجميع موارد الاستعمالات لا يمكن أن تتحقّق بحسب العادة ، فلا بدّ من التأويل والتوجيه بأن مراده منها الشيوع وكثرة الاستعمال كما هو الظاهر من لفظ الاطّراد.
وثانيا : أنّه إذا رأى شخص من أهل سائر اللّغات أنّ العرب يستعملون لفظ «الماء» في معناه المعهود ، فقد يعلم في الاستعمالات الثانية والثالثة أنّ هذا المعنى مستند إلى حاقّ اللفظ ، وحينئذ لا يحتاج إلى الاطّراد ، وهذا متمحّض في التبادر عند الغير. وقد لا يعلم أنّه مستند إلى حاقّ اللّفظ أم لا ، وحينئذ قد لا يوجب كثرة الاستعمال لرفع الشكّ وإن بلغ ما بلغ ، وقد يوجب العلم باستناده إلى حاقّ اللفظ وإن احتمل في الاستعمالات الأوّليّة استناده إلى وجود القرينة ، ولكنّ الاطّراد يوجب إحراز استناده إلى حاقّ اللفظ ، فنقول :
إنّ العلامة هاهنا عبارة عن التبادر لا الاطّراد ، ولكن كان له الشرط الذي لم يتحقّق قبل كثرة الاستعمال ، وهو إحراز الاستعمال مستندا إلى حاقّ اللفظ ، فيكون سبب الكشف إحراز الاستعمال لا الاطّراد ، فتشخيص المعنى الحقيقي مستند إلى إحراز الاستناد ، وهو من أيّ طريق حصل ومن أيّ سبب يتحقّق يكفي في التبادر ، كما مرّ سابقا.