بإنشائه ـ كأن يقول : إنّي وضعت لفظ كذا لمعنى كذا ـ كذلك يتحقّق بنفس استعمال اللفظ في معنى يقصد الوضع له والحكاية عنه ، لا بالقرينة المجازيّة ، وإن كان لا بدّ حينئذ من نصب القرينة ، إلّا أنّه للدلالة على ذلك لا على إرادة المعنى كما في المجاز ، مثل قول الأب الذي لم يوضع لولده اسما بعد : «جئني بولدي عليّ» قاصدا به تسمية ولده ب «عليّ» ، فيصير بنفس الاستعمال معنى حقيقيّا للّفظ.
ولكن أشكل عليه المحقّق النائيني قدسسره (١) بدعوى أنّ حقيقة الاستعمال إفناء اللفظ في المعنى وإلقاء المعنى في الخارج ، بحيث تكون الألفاظ مغفولا عنها ، فالاستعمال يقتضي أن يكون النظر إلى الألفاظ آليّا ، والوضع يستدعي أن يكون النظر إلى الألفاظ استقلاليّا ، فالجمع بين الوضع والاستعمال في شيء يلازم الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي ، وهو غير معقول ، بل محال.
وأجاب عنه الشيخ ضياء الدين العراقي قدسسره (٢) على ما في مقالات الاصول : بأنّ توهّم اجتماع اللحاظين غلط ؛ إذ النظر الآلي والمرآتي متوجّه إلى شخص اللفظ المستعمل في مقام الاستعمال ، وأمّا النظر الاستقلالي فمتوجّه إلى طبيعة اللفظ ونوعه في مقام الوضع ، فإنّ الواضع إذا قال : وضعت لفظ «عليّ» اسما لهذا المولود لا يكون مراده شخص هذا اللفظ الخارج من فمه ، بل يكون مراده طبيعة هذا اللفظ من أي مستعمل في أيّ مكان يتحقّق ، فلا يجتمع اللحاظان في شيء واحد ، فإنّ متعلّق اللحاظ الآلي عبارة عن شخص اللفظ ، ومتعلّق اللحاظ الاستقلالي عبارة عن طبيعة اللفظ كما لا يخفى. ثمّ قال في آخر كلامه :
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٣٣ ـ ٣٤.
(٢) مقالات الاصول : ٦٧ ـ ٦٨.