وحينئذ نقول : إنّ من الموارد المناسبة التي تقتضي النظر الاستقلالي إلى اللفظ هو الاستعمال المحقّق للوضع ، فلا يجمع بين اللّحاظين الآلي والاستقلالي ، فلا يرد هذا الإشكال على المحقّق الخراساني قدسسره وكلامه في محلّه ؛ إذ لا شبهة في وقوع الوضع التعييني على النحو الذي ذكره خارجا ، بل لعلّه كثير بين العرف والعقلاء في وضع الأعلام الشخصيّة والمعاني المستحدثة.
إنّما الكلام في نفس الاستعمال المحقّق للوضع ، هل هو استعمال حقيقي أو مجازي أو لا هذا ولا ذاك؟ فيه وجهان ، بل قولان ، فقد اختار المحقّق الخراساني قدسسره (١) الاحتمال الأخير ، وملخّص كلامه : أنّه لا يكون من الاستعمال الحقيقي ؛ لأنّ الاستعمال الحقيقي استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له ، والمفروض أنّه لا وضع قبل هذا الاستعمال ليكون الاستعمال استعمالا فيه ، وأمّا أنّه لا يكون من الاستعمال المجازي ، فلأجل أنّ الاستعمال المجازي استعمال اللفظ في المعنى المناسب للمعنى الموضوع له ، والمفروض أنّه لا وضع قبل هذا الاستعمال ، ومعه لا يعقل المجاز ، فلا يكون ذلك الاستعمال حقيقيّا ولا مجازيّا ، وقد ذكرنا أنّ صحّة الاستعمال لا تدور مدار كونه حقيقيّا أو مجازيّا ، بل صحّ الاستعمال بدون أن يكون متّصفا بأحدهما إذا كان حسنا عند الطبع ، وقد عرفت أنّ إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله من هذا القبيل.
ولكن لقائل أن يقول : إنّ بين الإطلاقات المذكورة وما نحن فيه فرقا واضحا ، وقياس أحدهما على الآخر قياس مع الفارق ، بأنّ الاستعمال المحقّق للوضع لا يكون استعمالا في غير ما وضع له ؛ إذ لا يعتبر في كون الاستعمال الحقيقي تقدّم الوضع على الاستعمال ، بل غاية ما يقتضيه ذلك هو ألّا يكون
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٣٢.