الوضع متأخّرا عن الاستعمال ، فيكفي في كون الاستعمال حقيقيّا مقارنة الوضع له زمانا ، والمفروض أنّ الوضع والاستعمال في هذا المقام كذلك ، بخلاف الإطلاقات المذكورة فإنّها ليست من قبيل الاستعمال فضلا من كونها الاستعمالات الحقيقيّة ؛ إذ المفروض إطلاق اللفظ وإرادة نوعه مثلا ، ومعلوم أنّه لا سنخيّة بين المعنى ونوع اللفظ ، بل هما متباينان كما لا يخفى.
هذا كلّه في الوضع التعييني ، وإن قلنا : بعدم تحقّقه أصلا ولو بالطريق الذي ذكره صاحب الكفاية قدسسره فإنّه وإن كان ممكنا ولكنّه ليس لكلّ ممكن وقوع وثبوت ، فتصل النوبة إلى الوضع التعيّني الذي منشؤه كثرة الاستعمال ، لا الجعل والمواضعة ، فقد ذكرنا أنّه لا يصحّ إطلاق كلمة الوضع عليه ؛ لأنّ هذا المنشأ يوجب صيرورة المعنى معنى حقيقيّا ، والحقيقة أعمّ مطلقا من الوضع ، ولكن نعبّر عنه بالوضع تبعا لصاحب الكفاية قدسسره.
ولا شكّ ولا شبهة في تحقّق الوضع التعيّني ، فإنّ ثبوته في زمن الصادقين عليهماالسلام معلوم ، بل الإنصاف يحكم حتّى بثبوته في زمن أمير المؤمنين عليهالسلام ولا سيّما في زمن خلافته عليهالسلام ، بل ولا يبعد ثبوته في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله بلسانه ولسان تابعيه ؛ لكثرة استعمالات هذه الألفاظ في هذه المعاني وكثرة الأسئلة التي ترد من السائلين ، وجوابه صلىاللهعليهوآله عنها ، ونقلهم الجواب بينهم ، وإخبارهم بالآخرين.
نعم ، ثبوته في خصوص لسانه صلىاللهعليهوآله مشكل جدّا ؛ لعدم العلم بكثرة استعمالاته صلىاللهعليهوآله على حدّ يوجب التعيّن ، كما أشار إليه في الكفاية. ولكنّه لا يضرّ بالمقصود ؛ إذ الملاك في الوضع التعيّني ، وما يوجب حمل الألفاظ على المعاني المستحدثة بلا قرينة هو كثرة الاستعمال في المجتمع الإسلامي في عصره صلىاللهعليهوآله