ملاحظة هذا المعنى لا بدّ لنا في مقام استكشاف المراد من الجملة المذكورة إمّا من تقدير كلمة «صحيحة» فيها ، أي لا صلاة صحيحة إلّا بفاتحة الكتاب ، ولو كان معناها كذلك فلا فائدة في الاستدلال بها ، فإنّ توقّف صحّة الصلاة عليها ممّا اتّفق عليه الصحيحي والأعمّي معا ، ولكنّ التقدير خلاف الظاهر ، مع أنّ الطريق لا ينحصر به.
وإمّا من القول بأنّ الظاهر منها نفي الماهيّة والمسمّى بدون فاتحة الكتاب ، وهذا لا ينطبق إلّا على القول الصحيحي ، فإنّه يقول بأنّ الموضوع له والمسمّى لكلمة الصلاة هي الصلاة الصحيحة لا غيرها ، ويعامل جميع الأجزاء معاملة الأجزاء الركنيّة في دخالتها في المسمّى ، بخلاف الأعمّي.
إن قلت : إنّا نشاهد في أشباه ونظائر هذا التركيب أنّه لا بدّ من الالتزام بالتقدير والحذف ، مثل : «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» (١) ، فإنّا نعلم بعدم دخالة وقوعها في المسجد في صحّتها أصلا ، ولم يقل أحد بفساد صلاة جار المسجد ما لم يصلّ فيه ، فاستعمل هذا التركيب في نفي الصفة ، مثل الكمال ونحوه ، لا نفي الماهيّة والحقيقة ، فتقديره : لا صلاة كاملة لجار المسجد إلّا في المسجد ، وإذا كان الأمر هنا كذلك فيقتضي اتّحاد السياق بين الجملتين أن تكون في نوع هذه التعبيرات كلمة تناسبه محذوفة ، نحو كلمة «صحيحة» في جملة «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب».
قلنا : إنّ نفي الصفة ممنوع حتّى في مثل : «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» ، بل استعملت كلتا الجملتين في نفي الماهيّة والحقيقة ، إلّا أنّ نفي الماهيّة تارة يكون على وجه الحقيقة ، مثل : «لا صلاة إلّا
__________________
(١) المستدرك ٣ : ٣٥٦ ، الباب ٢ من أبواب أحكام المساجد ، الحديث ١ و ٢.