المعنى الحقيقي بحكم أصالة الحقيقة.
وبعبارة اخرى : أنّ الاستعارة وإن لم تكن استعمالا في غير ما وضع له إلّا أنّه لا بدّ لها من القرينة ، وإلّا تحمل على الفرد الحقيقي ، وهكذا في ما نحن فيه بأنّ النفي في جملة : «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» يحمل على نفي الحقيقة الادّعائيّة بمقتضى القرينة ، وأمّا في جملة : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» فلا قرينة حتّى يحمل عليه ، ولذا يحمل النفي فيها على نفي الحقيقة حقيقة بحكم أصالة الحقيقة.
ولا يخفى أنّ هذا الكلام ليس بتامّ ؛ لأنّ جريان هذا الأصل مختصّ بموارد الشكّ في مراد المتكلّم ، كما في مثل : «رأيت أسدا» ، وأمّا في مثل : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» فلا شكّ في مراد المتكلّم ، وأنّ فاتحة الكتاب دخيلة في الصحّة كما هو أساس الاستدلال على ما مرّ ، إنّما الشكّ في دخالة فاتحة الكتاب وأمثالها في المسمّى وعدمها ، وهذا ليس محلّ التمسّك بأصالة الحقيقة.
وأمّا الدليل الرابع للصحيحي ـ على ما ذكره في الكفاية ـ فهو : إنّا نقطع بأنّ طريقة المخترعين من العقلاء إذا اخترع أحدهم مركّبا ذا أجزاء وشرائط ـ كالسيارة ـ فإنّهم يضعون اللفظ للمركّب الصحيح التامّ الأجزاء والشرائط ؛ لأنّ حكمة الوضع ـ أي التفهيم والتفهّم بسهولة ـ مترتّبة على التامّ الأجزاء والشرائط ؛ لأنّه منشأ الآثار ومحطّ الأغراض ومورد احتياج الناس في محاوراتهم.
ولا يتوهّم أنّ الاحتياج لا يختصّ باستعمال الألفاظ في المركّب الصحيح حتّى يدّعي وضعها له ، بل الحاجة إلى استعمالها في الفاسد أيضا موجودة ، فالداعي إلى وضعها للأعمّ متحقّق.