للعلوّ حقيقة فيقال له : العالي المستعلي ، وقد يكون فاقدا له حقيقة فيقال له : السافل المستعلي.
إذا عرفت هذا فنقول : لا إشكال في اعتبار العلوّ في معنى الأمر على ما هو المتبادر من لفظ الأمر ، ويشهد له الاستعمالات العرفيّة ، فإنّه يقال : «أمر الوالد ولده» و «أمر المولى عبده بكذا» إذا طلبا منهما شيئا ، ولا يقال : «إنّ العبد أمر مولاه» و «الابن أباه بكذا» حين طلبهما منهما شيئا ، وهكذا لا يقال : «إنّ المقلّد أمر مرجعه بكذا».
وقال صاحب الكفاية قدسسره (١) بعد قبول هذا الأمر : إنّ الظاهر عدم اعتبار الاستعلاء ، فيكون الطلب من العالي أمرا ولو كان مستخفضا لجناحه ، وأمّا اعتبار أحدهما ـ على سبيل منع الخلو ـ فضعيف. فطلب المساوي أو السافل مع الاستعلاء من العالي المستعلي لا يكون أمرا عنده.
وذكر المرحوم البروجردي قدسسره (٢) في المقام مقدّمة صحيحة ، ولكنّه استفاد منها ما لا يساعده العرف ، وهو قوله : «إنّ حقيقة الأمر بنفسه تغاير حقيقة الالتماس والدعاء». وهذا ممّا يساعده العرف ، ويؤيّده الاستعمالات الشائعة ، كما مرّ آنفا.
ثمّ قال : إنّ الطلب بنفسه ينقسم إلى قسمين : الأوّل : الطلب الذي قصد فيه الطالب انبعاث المطلوب منه بنفس هذا الطلب ؛ بحيث يكون داعيه ومحرّكه إلى الامتثال صرف هذا الطلب ، وهذا القسم من الطلب يسمّى أمرا. القسم الثاني : هو الطلب الذي لم يقصد الطالب فيه انبعاث المطلوب منه بنفس الطلب ، بل
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٩١.
(٢) نهاية الاصول ١ : ٨٦ ـ ٨٧.