الاعتباري يدور مدار الوجود والعدم ، ولكنّ البحث في المقام لا يكون بين وجود الاعتبار وعدمه ، بل البحث فيما يحقّق الاعتبارين كاعتبار بيع الفضولي والأصيل ، فإنّا نرى بعد المقايسة بينهما أنّ البيع الأصيل بيع كامل غير متوقّف على شيء ، وأمّا البيع الفضولي فمع كونه صحيحا ناقص متوقّف على إجازة المالك.
وقال المرحوم البروجردي قدسسره (١) في مقام الفرق بين الوجوب والاستحباب بما ملخّصه : إنّ الامتياز بينهما باعتبار وجود المقارنات وعدمها ؛ إذ الأمر الإنشائي قد يقترن بالمقارنات الشديدة ـ مثل ضرب الرجلين على الأرض وتحريك الرأس واليد حين الطلب ـ فينتزع منه الوجوب ، وقد يقترن بالمقارنات الضعيفة ـ مثل أن يقول حين الطلب : وإن لم تفعل فلا جناح عليك ـ فينتزع منه الندب ، وقد لا يقترن بشيء منها أصلا فهو مختلف فيه ، فما تنتزع منه حيثيّة الوجوب أو الندب هو نفس الأمر الإنشائي بلحاظ مقارناته ، ولا دخالة لذلك في نفس حقيقة الوجوب والندب ، فيكون التشكيك فيهما بحسب المقارنات لا بحسب الذات ، فليس للطلب بنفسه وبحسب الواقع مع قطع النظر عن المقارنات قسمان، بل هو أمر واحد تختلف أفراده باعتبار ما يقترن به ، فإنّ ما تنتزع منه حيثيّة الوجوب هو نفس الطلب الإنشائي المقترن بالمقارنات الشديدة أو الأعمّ منه ومن المجرّد ، لا أنّ الوجوب شيء واقعي يستعمل فيه الطلب الإنشائي ويكون المقارن قرينة عليه ، وهكذا ما ينتزع منه الاستحباب.
وفيه أوّلا : أنّه خلط بين مقام الثبوت والإثبات ؛ لأنّ البحث عن التمايز
__________________
(١) نهاية الاصول ١ : ١٠١ ـ ١٠٢.