وأمّا تعلّق الإنشاء بالماهيّة ومفهوم البعث والتحريك مع قطع النظر عن المصداق فهو صحيح كما قال به صاحب الكفاية قدسسره ، ولكنّه لا فرق بين الطلب والإرادة من هذه الناحية ، فإذا كان مفهوم الطلب قابلا لتعلّق الإنشاء به فلم لا يكون مفهوم الإرادة قابلا لتعلّق الإنشاء بها؟! فما قال به سيّدنا الاستاذ قدسسره ليس قابلا للمساعدة.
وأحسن المقال في المقام ما ذكره بعض الأعلام على ما في كتاب المحاضرات (١) ، وتوضيحه : أنّ الإرادة صفة من الأوصاف النفسانيّة القائمة بالنفس ، ولا بحث فيها ، إنّما الكلام فيما وضع له لفظ الطلب وفيما يفهم منه عرفا ، والطلب لغة : عبارة عن محاولة الشيء وأخذه والتصدّي نحو تحصيل شيء في الخارج ، وهذا من الأفعال الاختياريّة الصادرة عن الإنسان ، فهو مباين مع الإرادة ، ويؤيّده الاستعمالات العرفيّة ؛ إذ لا يقال : طالب المال أو طالب الدنيا أو طالب العلم لمن اشتقاق إليها وأرادها في افق النفس ما لم يظهر في الخارج بقول أو فعل ، بل يقال لمن تصدّى خارجا لتحصيلها ، فالطلب مباين للإرادة مفهوما ومصداقا.
وبالنتيجة الطلب كالإرادة ، كان من الامور الواقعيّة ، ويتحقّق بالسعي في الخارج للإيصال إلى المطلوب ، إلّا أنّه قد يكون بالمباشرة وقد يكون بالقول ، كقول المولى لعبده : «جئني بالماء» فلا يتعلّق الإنشاء بالطلب أيضا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّه ما ينشأ بهيئة «افعل». هذا تمام الكلام في مسألة الكلام النفسي واتّحاد الطلب والإرادة ، ولا ضرورة إلى بيان بحث الجبر والتفويض بعنوان مسألة اصوليّة.
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٢ : ١٦.