وبعبارة اخرى : تمايز مسائل العلم بتمايز موضوعاتها ، وتمايز العلوم بتمايز ما هو الجامع لمحمولات مسائلها.
وبهاتين المقدّمتين يثبت الادّعاء الأوّل.
المقدّمة الثالثة : أنّ المراد بالعرض ـ في قولهم : موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة ـ هو العرض في الاصطلاح المنطقي لا الفلسفي ، فإنّ العرض الفلسفي عبارة عن ماهيّة شأن وجودها في الخارج الاحتياج إلى الموضوع ، ويقابله الجوهر. والعرض المنطقي عبارة عمّا يكون خارجا عن ذات الشيء متّحدا معه في الخارج ، ويقابله الذاتي.
وبين الاصطلاحين بون بعيد ، فإنّ العرض المنطقي قد يكون جوهرا من الجوهر كالناطق بالنسبة إلى الحيوان وبالعكس ، حيث إنّ كلّا منهما خارج عن ذات الآخر ومحمول عليه ، فيصدق تعريف العرض المنطقي وإن كان كلّا منهما ذاتيّا بالنسبة إلى الإنسان ، فالعرض في الاصطلاح الفلسفي مطلق ، وفي الاصطلاح المنطقي أمر نسبيّ ، فإنّ الفصل ـ مثلا ـ بالنسبة إلى الجنس عرض خاصّ ، وبالنسبة إلى النوع المؤلّف منه ذاتيّ له. وأمّا المقولات التسع العرضيّة فهو في الاصطلاح الفلسفي ، فلا تتغيّر عن وصف العرضيّة باختلاف الاعتبارات والنسب.
المقدّمة الرابعة : لا يخفى أنّ الموضوع والمحمول في مسائل كلّ علم عرض بالنسبة إلى الآخر ، ولا يقصر وصف العرض على المحمول ؛ إذ المراد بالعرض هنا ـ كما عرفت ـ هو العرض في الاصطلاح المنطقي ، وهو عبارة عمّا يكون خارجا عن ذات الشيء ومتّحدا معه في الخارج ، ففي قولنا في العلم الإلهي : «الجسم موجود» كلّ واحد من وصفي الجسم والوجود خارج عن ذات الآخر مفهوما ومتّحد معه خارجا ، فكلّ واحد منهما عرض ذاتيّ بالنسبة إلى الآخر ، بمعنى أنّه لا يكون عين الآخر ولا جزء له ، وكذلك كلّ واحد من