من سائر مسائله ، وحيث لم تكن هاتان الجهتان خارجتين عن ذوات المسائل بحكم الوجدان فلا محالة ليستا خارجتين عن الموضوع والمحمول ؛ إذ النسبة معنى آلي توجد في جميع القضايا بنحو واحد ، ولا تختلف باختلاف المسائل.
المقدّمة الثانية : أنّك إذا تتبّعت العلوم المدوّنة ، ودقّقت النظر في مسائل كلّ واحد منها رأيت أنّ في بعض العلوم الموجودة يكون المحمول في جميع مسائله أمرا واحدا ، كالعلم الإلهي بالمعنى الأعمّ ، فإنّ المحمول في جميع مسائله مفهوم واحد ، وهو قولنا : «موجود». فيقال : الله موجود ، العقل موجود ، الجسم موجود ، الجوهر موجود ، الكمّ موجود ، وهكذا ، وأنّ بعضها ممّا يختلف المحمول في مسائله ، ولكنّه يوجد بين محمولاته المختلفة جهة جامعة ، بل ربما يكون المحمول في مسائل فصل منه أمرا واحدا كعلم النحو ، فإنّ المرفوعية ـ مثلا ـ تارة تحمل على الفاعل واخرى على المبتدأ ، ويتحصّل بذلك مسألتان ، ومع ذلك فالمرفوعيّة وإن كانت تغاير المنصوبيّة ولكن بينهما جهة جامعة ذاتيّة ، حيث إنّ كلّا منهما من تعيّنات الإعراب الحاصل لآخر الكلمة.
وبالجملة ، فإنّ المحمول لا يختلف دائما في جميع مسائل العلم ، وأمّا موضوعات المسائل فهي ممّا تختلف دائما في جميع المسائل من أيّ علم كانت ، وكما عرفت في المقدّمة الاولى : من أنّ في كلّ مسألة من مسائل العلم توجد جهتان : جهة ذاتيّة جامعة بين جميع مسائل هذا العلم وبها تمتاز عن مسائل سائر العلوم ، وجهة ذاتيّة بها تمتاز هذه المسألة عن غيرها من مسائل هذا العلم.
وعرفت أيضا أنّ الجهتين ليستا خارجتين عن الموضوع والمحمول ، فلا محالة تنحصر الجهة الاولى في المحمول والجهة الثانية في موضوع المسائل ؛ لأنّه يختلف في جميع المسائل بخلاف المحمول.