دعويان :
إحداهما : أنّ تمايز العلوم بتمايز جامع محمولات المسائل. وهذا مباين لما نفاه صاحب الكفاية قدسسره فإنّ مقصوده نفس المحمولات لا الجامع بين المحمولات ، ويشهد لذلك ما أورده عليه وعلى المشهور من لزوم صيرورة مسألة واحدة علما مستقلّا ؛ إذ لو كان مراده الجامع بين المحمولات لا يرد عليه هذا الإيراد ، فإنّ الجامع شيء واحد.
الثانية : أنّ الظاهر من كلمات المشهور وإن كان التمايز بالموضوعات ولكنّ مرادهم من ذلك في الواقع الجامع بين المحمولات. وذكر لإثبات هذين الادّعاءين مقدّمات خمسة :
الاولى : أنّه لا يخفى أنّا إذا راجعنا كلّ واحد من العلوم المدوّنة وقصرنا النظر على نفس مسائله من غير التفات إلى ما يكون خارجا من ذات المسائل من المدوّن والأغراض ونحوهما علمنا علما وجدانيّا باشتراك جميع تلك المسائل المتشتّة في جهة وحيثيّة لا توجد هذه الجهة في مسائل سائر العلوم ، وتكون هذه الجهة جامعة بين تلك المسائل ، وبسببها يحصل التمييز بين مسائل هذا العلم وبين مسائل سائر العلوم ، وكذلك وجدنا في كلّ مسألة من مسائل هذا العلم جهة وخصوصيّة تميّز هذه المسألة عن غيرها من مسائل هذا العلم.
مثلا : إذا راجعنا مسائل علم النحو وقطعنا النظر عن مدوّنه والأغراض الباعثة إلى تدوينه رأينا أنّ جهة البحث في جميعها كيفيّة آخر الكلمة من المرفوعيّة والمنصوبيّة والمجروريّة ، فهي خصوصيّة ذاتيّة ثابتة في جميع مسائله ، مع قطع النظر عن المدوّن والأغراض ونحوهما ، وهي الجهة الجامعة بين هذه المسائل المتشتّة ، وبسببها تمتاز هذه المسائل عن مسائل سائر العلوم ، ومع ذلك رأينا أنّ في نفس كلّ مسألة منها خصوصيّة ذاتيّة بها تمتاز عن غيرها