عباديّة الواجبات ، مع أنّه معترف بتحقّق الواجبات التعبّديّة ، ونحن نرى أنّ صلاة الميّت ـ مثلا ـ تحتاج إلى قصد القربة بخلاف دفنه ، فما المانع من بيان الشارع العباديّة والتوصّليّة مثل بيانه شرطيّة الطهارة وجزئيّة فاتحة الكتاب بقوله : «لا صلاة إلّا بطهور» (١) ، و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٢) بعد كون العقول عاجزة عن درك هذه المسائل قطعا ، فلا يسلّم انسداد يد الشارع بالنسبة إلى تبيين قصد القربة.
وأمّا قوله : «إن أحرز عباديّة العمل فلا يبقى مجال للأمر الثاني ؛ لحصول الغرض بموافقة الأمر الأوّل ، وإن شكّ في العباديّة فالعقل يحكم مستقلّا من باب قاعدة الاشتغال برعاية قصد القربة» فهو مخدوش من جهات :
الاولى : أنّ مع قطع النظر عن بيان الشارع يمكن أن يكون المكلّف غافلا عن التعبّديّة والتوصّليّة ، ويمكن أن يكون قاطعا بالتوصّليّة مع كون العمل في الواقع عباديّا ، وعلى فرض كون المكلّف في العبادات إمّا قاطعا في التعبّديّة وإمّا شاكّا في التعبّديّة والتوصّليّة ، وفي صورة الشكّ حكم العقل برعاية قصد القربة ، ولكنّه لا يكون من الأحكام الفطريّة العقليّة ، مثل حكمه بالفطرة على وجود الصانع ، بل كان من قبيل حكم العقل في باب الأقلّ والأكثر الارتباطيّين ؛ بأنّه يدّعي البعض حكم العقل بالاشتغال والبعض الآخر حكمه بالبراءة ، ولذا يدّعي البعض أنّ العقل يحكم برعاية قصد القربة والبعض الآخر يدّعي خلافه.
الثانية : لو سلّمنا اتّفاق العقول جميعا في الحكم برعاية قصد القربة في مورد
__________________
(١) الوسائل ١ : ٣١٥ ، الباب ٩ من أبواب أحكام الخلوة ، الحديث ١.
(٢) المستدرك ٤ : ١٥٨ ، الباب ١ من أبواب القراءة في الصلاة ، الحديث ٥.